ماذا سيكون عليه ردّ فعل أي شخص عندما يعلم أنّ العالم الشهير ألبرت أينشتاين قد طلب مساعدة اللبناني الدكتور شارل مالك على الصعيد العلمي والوقوف على رأيه في بعض نظرياته؟ هاكم التفاصيل: من الوجوه اللبنانية البارزة التي أنجبها الوطن على مر السنين، وجه يدعى الدكتور شارل مالك. تبدو مسألة التعريف به مهمة بالغة الصعوبة لكن يمكن الإيجاز بالآتي:
هو شخصية فكرية عالية الثقافة والحضور اللافت على مختلف الصعد، وفي شتى المجالات.
هو صاحب تاريخ حافل وشخصية مميزة تزخر بالعلم والمعرفة والثقافة. ومن العناوين البارزة التي تعرف عنه: إنه أستاذ الفلسفة المميز، وهو المشارك الفاعل في وضع الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، تقلب في العديد من المناصب، منها سفير لبنان المفوض في واشنطن، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة بين 1958 و1959، وعمل وزيراً للخارجية اللبنانية في أوقات حرجة واجهها لبنان في منتصف القرن الماضي، حائز ما يزيد على 55 دكتوراه فخرية من أبرز الجامعات الأميركية والعالمية. وقيض لي أن أكون على تماس وعلى علاقات مباشرة مع هذه الشخصية الفذة.
وعندما طلبت منه كتابة المقدمة العامة للطبعة الأولى من كتاب «من رودس إلى جنيف ـــ فلسطين من الضياع إلى الربيع العربي» (1974)، كنت ألتقيه بصورة دورية في منزله في الرابية الجميلة والهادئة. كذلك، تسنى لي الإفادة من تجاربه العميقة عبر العديد من الحوارات والمناقشات. ذات يوم، تطرق الحديث إلى المراسلات التي جرت بينه وبين العالم الشهير ألبرت أينشتاين، حيث يطلب في واحدة من هذه الرسائل معرفة رأي الدكتور مالك في نظرية توصل إليها. وفي ما يلي نصوص الرسائل المتبادلة بين الرجلين، وموجز عن نظرية أينشتاين التي نتحدث عنها، وهي فترة تعود إلى عام 1947.
عادل مالك

■ ■ ■


1) من أينشتاين إلى د. شارل مالك
غرفة 28 ـــ 90 ناسو ستريت
برنستون، نيوجرسي
10شباط/فبراير 1947
الصديق العزيز،
أكتب لك للمساعدة وباقتراح من صديق
من خلال إطلاق الطاقة الذرية التي بها جلب جيلنا إلى العالم القوة الأكثر ثورة منذ اكتشاف إنسان ما قبل التاريخ للنار. هذه الطاقة الأولية للكون لا يمكن أن تناسب المفهوم البالي للقوميات الضيقة والمحدودة.
لا يوجد سر ولا دفاع ولا إمكانية للتحكم أو السيطرة إلا من خلال الفهم المتيقظ، وأحرار شعوب الارض.
نحن العلماء نلحظ مسؤوليتنا التي لا مفر منها لحمل رفاقنا المواطنين على فهم للحقائق غير المعقدة للطاقة الذرية وانعكاساتها على المجتمع.
في هذا يكمن أمننا وأملنا الوحيدان. نحن نؤمن أن المواطن المدرك سوف يعمل للحياة وليس للموت.
نحن بحاجة إلى 1.000.000 دولار لهذه المهمة التعليمية العظيمة، مدعمين بالإيمان في قدرة الانسان على التحكم بمصيره من خلال التمرين على العقل، نحن قد تعهدنا بكل طاقتنا ومعرفتنا لهذا العمل، أنا لا أتردد في مناداتكم للمساعدة.
مع إخلاصي أ. أينشتاين.

■ ■ ■


2) البروفسور ألبرت أينشتاين،
رئيس أمناء لجنة طوارئ علماء الذاكرة
غرفة 28 ـــ 90 شارع ناسو
برينستون، نيوجرسي
عزيزي البروفسور أ. أينشتاين،
أشكرك على رسالتك التي وصلتني في 15 شباط 1947
أقدّر ملياً الأهمية القصوى للمواضيع التي طرحتها، كوني كنت طالباً في العلوم الفيزيائية، وفاعلاً في الوقت الحالي في الأمم المتحدة.
أرفق إليك مساهمة صغيرة لقضيتك التي هي إشارة متواضعة لمشاركتك في إيمانك.
لكن الرجاء الموجه إليك هو عدم الاعتماد عليّ كثيراً من ناحية الدعم المادي بحيث، وللأسف، لست في موقع يفي بالغرض كفاية. لا بل أتحدث إليك من جهة قيامي بأقصى استطاعتي وبذل قصارى جهدي للمساعدة في ترويج الفكرة، وذلك فقط لأنّ «العقل» والإرادة الثابتة والثقة المتبادلة ستُخلص الحضارة من قدرها الداهم والوشيك.
مع أخلص تمنياتي بنجاح جهودك،
مع محبتي الوزير شارل مالك

■ ■ ■


3) لجنة طوارئ علماء الذرة
غرفة 28 ــــ 90 شارع ناسو
27 فبراير شباط 1947
عزيزي الدكتور مالك،
من جانب زملائي في لجنة طوارئ علماء الذرة، أبعث اليك تشكراتي الصادقة للرد والاجابة السخية على إجابتي التي أطلب فيها مساعدتك في المهمة العلمية العظيمة التي توليناها.
نقدر ليس فقط الدعم العملي الذي أرسلت، بل أيضاً الإرادة الطيبة تجاه هذا العمل والأمل في حل عقلاني لهذه المشكلة الضخمة التي مساهمتك تعبر عنها.
مع اخلاصي
أ. أينشتاين

■ ■ ■


الأمناء
ألبرت أينشتاين رئيس لجنة الأمناء
هارولد س. يوري نائب رئيس
هاتس أ. بثي
فيليب. م. مورس
لاينس بولينغ
ليو سيزلارد
ف. ويسكوف
إن لجنة طوارئ علماء الذرة في برنستون، نيوجرسي، وُجدت لكي تقوم بحملة وطنية عظيمة لتعليم عامة الشعب، وبشكل مبسّط، حقائق الطاقة الذرية، ولكي نبين، نحن العلماء، تخوّفنا منها.
ونحن العلماء الذين أطلقنا هذه الطاقة الذرية، علينا مسؤولية ضخمة إزاء هذا العالم الذي يكافح بين الحياة والموت، في استخدام هذه الذرة لخير البشرية وليس لدمارها وليس رغبة في ذلك فقط، إنما بأن تكون لدينا الحماسة في العمل والالتزام في تأمين الأمن العالمي.
أصبح إطلاق الطاقة الذرية ضرورة ملحة، ليس لخلق مشكلة جديدة، وإنما لحلّ المشكلة الحاضرة المبنية على الأفكار القديمة وأساليبها التي لم تستطع أن تمنع أو تتجنب الحروب العالمية الماضية، وذلك باعتماد الأفكار المستقبلية التي تقوم بذلك.
إن وجود نمط جديد في التفكير ضروري إذا أرادت البشرية أن تبقى على قيد الحياة، وأن تتقدم نحو أعلى المستويات.
لذا، فإن منظمة الامم المتحدة هي الوسيلة الوحيدة التي لدينا للعمل في كفاحنا لتحقيق هدف أفضل، وخصوصاً أن أيّ دولة لا يمكنها أن تكون محقة دائماً، ولا أن تكون مخطئة دائماً. فلا يمكنها أن تمنع وتحضر للحرب معاً.