«عندي معلومات مهمة بدي بيعها للسفارة (الفرنسية)، معلومات عن مقتل الحريري. بعرف واحد بيعرف الكاميكاز يلي فجّر الميتسوبيتشي». لا مشكلة في هذه الجملة، وخصوصاً إذا جاءت على لسان ممثل في فيلم سينمائي. الجميع يعلم أنّ هذه العبارة جزء من السيناريو، ولن يطالب أحد الممثل بـ«الحقيقة» إذا صادفه ماشياً في الشارع. لكن يبدو أن المشكلة كانت في اسم الشخصية التي تفوّهت بهذا الكلام. اختارت المخرجة دانيال عربيد إعطاء اسم عباس للممثل صاحب هذه العبارة في فيلمها «بيروت بالليل». هذا الأمر أثار على ما يبدو حفيظة الرقابة الساهرة على أمن المواطن ودرء الفتنة؛ إذ إنّ للأسماء في لبنان دلالاتها، وسيميولوجياتها، وأبعادها الطائفية، والمناطقية، أو كما يحلو للرقيب توصيفها بـ«المثيرة للحساسية». وهنا لا بدّ من استذكار «حكمة» الكاتب التلفزيوني شكري أنيس فاخوري الذي اعتمد في كل مسلسلاته «العواصفية» أسماء محايدة مثل فادي، ورامي، وسامي، وشادي... منعاً للالتباس.إذاً تخوّف الرقيب من أن يستنتج مشاهدو الفيلم أن أبناء الطائفة الشيعية متّهمون باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، فطلب من عربيد ومن المنتجة المنفذة للفيلم سابين صيداوي حذف هذه الجملة ومثيلتها المترجمة إلى اللغة الفرنسية في مشهد لاحق. كذلك طالب بتصنيف الفيلم للكبار فقط (18 سنة وما فوق)، بسبب بعض المشاهد الجنسية. وفي ردٍّ جريء، رفضت عربيد وصيداوي التي تتابع الملف يوميّاً، القبول بقرار الرقيب. والأسوأ أنّ هذا الأخير ذكر أنّ النسخة النهائية من الفيلم لا تتطابق مع السيناريو المقدّم منذ أكثر من سنة للحصول على إذن التصوير. هكذا لم يكتفِ جهاز الرقابة بطلب حذف المشاهد من الفيلم، بل وضع حدوداً تمنع المخرجة من الخلق والإبداع خلال فترة التصوير. لا بل يطالبها بأن تتحول إلى آلة تتقيد بالالتزام الحرفيّ للنص المطبوع على الورق، والمقدم للأمن العام اللبنانيّ.
وفوراً، طعن فريق الفيلم بقرار الرقابة بالتعاون مع المحامي نزار صاغية الذي كان قد عمل سابقاً على دراسة مفصلة عن قانون الرقابة المسبقة على الأعمال الفنيّة. وفي المرحلة الأولى من السعي إلى إبطال قرار الرقابة، تقدّم منتجو الفيلم، ومخرجته دانيال عربيد قبل أكثر من أسبوعَين بمذكرة ربط نزاع إلى أمانة مجلس الوزراء. وهذا الإجراء هو خطوة أولى نحو رفع دعوى قضائية أمام مجلس شورى الدولة، إن لم يوافق مجلس الوزراء على الطلب.
يستند صاغية في دعواه أساساً إلى التشكيك في قانونيّة الرقابة المسبقة على الأعمال الفنيّة من خلال ما يعرف بإذن التصوير الذي بدأ تطبيقه في لبنان في سبعينيات القرن الماضي. وجاء ذلك بعد حادثة مسرحية «مجدلون» (1969). يومها ربح المسرحي روجيه عساف دعواه ضد الدولة التي منعت عرض العمل يومذاك، فهل يسجّل فيلم «بيروت بالليل» بدوره سابقة قانونية في عام 2012، قاطعاً بالتالي شوطاً كبيراً في معركة منع الرقابة المسبّقة على الأعمال الفنيّة في لبنان؟ يبقى علينا الانتظار لمتابعة حيثيات الدعوى ونتائجها.
لكن في انتظار نتيجة هذه المعركة القانونية، يمكن المشاهدين متابعة فيلم «بيروت بالليل» الليلة (21:35) على قناة arte. المحطة الفرنسية ـــــ الألمانية شريك في إنتاج العمل، كانت قد حدّدت موعد العرض وفقاً للتاريخ المفترض لطرح العمل في الصالات اللبنانية؛ إذ كان محدداً أن يكون يوم أمس موعد عرض الشريط في لبنان. هكذا، في وقت منع الرقيب عرض العمل على الشاشة الكبيرة، ها هي قناة arte تدخله إلى كل البيوت اللبنانية ليشاهدوه الليلة على شاشاتهم الصغيرة.
وبالعودة إلى مضمون «بيروت بالليل» ـــــ ثالث أفلام عربيد الطويلة ـــــ فهو فيلم عن البارانويا التي تسيطر على أجواء بيروت. إنه عمل عن المدينة في ليلها ونهارها، في حاناتها ومقاهيها، في الحب والموت. قصة حب تنشأ على غفلة بين زها (دارين حمزة) المغنيّة اللبنانيّة في أحد فنادق المدينة، والمحامي الفرنسيّ ماثيو (شارل برلينغ) الذي ينفّذ مهمة تابعة لشركة اتصالات فرنسية بين بيروت والشام. وهناك طبعاً عبّاس (فادي أبي سمرا) المحامي والصديق القديم لماثيو الذي يبحث عن تأشيرة أوروبية تخرجه من لبنان، عبر بيع معلومات يملكها عن مقتل الحريري، أو ربما كان يدّعي امتلاكها! بين أجواء السهر والغناء، والخوف من الاستخبارات الموزعة في البلد، وقصة حب عاصفة، وأجساد متعطشة للعشق، والأسرار، والجرائم، والصفقات... تغوص عربيد في ليل بيروت لتقدم لنا فيلمها الجديد، على أمل أن نراه يوماً على الشاشة الكبيرة.
الليلة 21:35 على arte
فتّش عن الـ Sex
رغم فرض رقابة على عرضه في لبنان، شارك فيلم «بيروت بالليل» في عدد من المهرجانات العربية والدولية، بينها «مهرجان دبي السينمائي الدولي» الشهر الماضي. يومها قالت مخرجة الشريط دانيال عربيد إنها لن تقصّ مليمتراً واحداً من العمل. لكن المخرجة اللبنانية ليست وحدها من طاولته ارتدادات هذا الشريط. بطلته أيضاً واجهت حملة بسبب بعض المشاهد الجنسية التي تخللها الفيلم. ورغم أن حمزة أوضحت أنّ ممثلة فرنسية بديلة أدّت هذه اللقطات، إلا أن ذلك لم يخفّف من حدّة الهجوم عليها، حتى قيل إنها ستستبعد عن الجزء الثاني من مسلسل «الغالبون» لهذا السبب.
4 تعليق
التعليقات
-
قصة الفيلم جميله ومشوقه وتوضحقصة الفيلم جميله ومشوقه وتوضح مدى الاختراقات التى تحدث فى المخابرات اللبنانيه ولدلك هو جميل ولكن المشاهد الجنسيه سيئه لانها تتم بين ممثله عربيه واخر اجنبى ويعنى هو مفيش ممثل فى لبنان يقدر يقوم بدور المحامى الفرنسى فى الفيلم ده لبنان بلد الجمال واتمنى الا تكون الممثله دارين حمزه هى التى قامت بتاك النشاهد بالفعل لانه لو كان كدالك فهى ليست عربيه واتمنى ااتوفيق للجميع محمد الجزار مصرى
-
مارسوا البطولةالليلة رغما عن الرقيب اللبناني طبعا، ولكن رغما عن الرقيب في قناةارتي؟ الرقيب اللبناني توقف امام ان الرجل اسمه عباس، لو كان عباس من قرية جنوبية كانت خاضعة للاحتلال ويشار اليه بشكل عابر انه كان عميلا للاسرائيليين، هل كان الرقيب في ارتي يمرقها؟ هذه الدعاية المجانية للفيلم في نفس يوم عرضه، الا تدل ان منتجي الفيلم الذين يصفهم المقال بالشجعان مش ناس على باب الله؟ من هم هؤلاء الشجعان اللي مش خايفين على مصرياتهم وعندهم اتصالات مع جهات ممكن ان تغطي الفيلم عبر عرضه؟ لاحظوا ان قناة ارتي ملتزمة بعدم نشر اعلانات في جريدة الاخبار وبالتالي عدم المساهمة في تمويلها. الم تلاحظوا ان جريدةالاخبار ليس فيها اعلانات. بالرغم من ذلك يتم الالتفاف ونشر اعلان عن طريق اختراق جريدة الاخبار عبر صحفي، هل هذا سلوك اخلاقي من ارتي ومن منتجي الفيلم واخيرا من الصحفي؟ بالمناسبة يبدو ان هذا هو شيء في الفيلم شوية مشاهد جنسيةيمكن قطعها بسهولة وبدون ادعاء كل هذه البطولة؟ ولكن من هم الناس الذين يصروا على ممارسةهذه البطولة السهلة؟يبدو لي انهم ناس معهم مصاري، يذكروني بمشهد من فيلم عن واحد يستاجر بلطجية ليتعرضوا بحبيبته ثم يتدخل هو في الوقت المناسب حتى يربيهم، بطولة ناس يريدوا بالمصاري ان يخلقوا بطولة منافسةربما للابطال الحقيقيين الواقفين بدون سند فعلي للدفاع عن شرفهم وكرامتهم الذي لا يتعلق بشوية جنس كما هي بطولة اهل البطولةالسهلة. مارسوا البطولة قال رجل من امتنا.
-
في الطريق الى العالميةالسينما اللبنانية بدأت تأخذ طريقها المنتظر وتحتل مكانتها التي تستحقها بجدارة .فبتنا نرى أفلاما ً لبنانية تستحق المشاهدة وينعم بها المتفرج .