«مهرجان البستان» السنوي متخصّص بالموسيقى الكلاسيكية. والتحدّي هذه السنة كان في سبر أغوار أميركا اللاتينية في هذا المجال. ورغم أنّ هذه القارة ليست مستجِدة على الموسيقى الكلاسيكية، إلا أنّ إرثها بقي قليل التداول خارج الحدود. ومنذ اكتشاف الأميركيتيْن، أي منذ عصر النهضة في الروزنامة الموسيقية الكلاسيكية وحتى يومنا هذا، عرفت أميركا اللاتينية مؤلفين بالعشرات. غير أن القرن العشرين يبقى بمثابة عصر النهضة بالنسبة إلى هذه البقعة، تأليفاً وأداء.
حاول «البستان» تغطية هذا النشاط الكلاسيكي الذي تنامى في العقود الأخيرة. لناحية المؤلفين، فاض البرنامج بأسماء نُبشَت من الأدغال. لكن، لجهة الأداء، أخفق في تتويج دورته بأسماء باتت من الرموز العالمية. أبرز الغائبين غوستاف دوداميل، قائد الأوركسترا الفنزويلي الديناميكي الذي أوصل «أوركسترا سيمون بوليفار» إلى أعلى المستويات، وتحديداً عبر أداء مؤلفين مغمورين مِن قارّته. أما في فئة الغناء الأوبرالي، فكيف ننسى الظاهرتيْن الأشهر عالمياً في فئة التينور، وهما خوان دييغو فلوريز، وأورلاندو فيلازون.
في العزف على البيانو، لم نكن نتوقع مارتا أرغيريتش أو نلسون فرايره، لكن دعوة الموهبة الشابة نلسون غورنر (الأرجنتين) كانت ضرورية، وتوقيتها صائب. على أي حال، جوائز الترضية كافية في هذه الفئة، بعكس تلك المتعلقة بالعمل الأوبرالي الكامل. صحيحٌ أن عملاً من فئة الأوراتوريو للأسطورة الأرجنتيني أستور بياتزولا ينوب إلى حدٍ ما عن الأوبرا، غير أن الخيار التاريخي كان متاحاً. المقصود أوبرا Ainadamar للأرجنتيني أوزفالدو غوليوف الذي تناولناه في صفحاتنا (21 فبراير 2007). تفويت هذه الفرصة خسارة لأسباب كثيرة. أولاً، يتناول العمل موضوعاً مشوقاً هو ظروف إعدام الشاعر فيديريكو غارسيا لوركا. ثانياً، لا يحتاج تنفيذه أوركسترا كبيرة. لوجيستياً، الأمر أقل تعقيداً مما هو مطلوب في الأوبرا. ثالثاً، إنه عملٌ جديد، حيوي، ومذيّل بجائزتيْ «غْرامي» عام 2007 (أفضل أوبرا معاصر وأفضل عمل موسيقي معاصر). رابعاً، يجمع موسيقياً بين الشعبي والمعاصر والموسيقى الإلكترونية التي من شأنها جذب الجمهور غير التقليدي.
من جهة ثانية، تغيب هذه السنة المحاضرة الاعتيادية. ولو أدرِج موعدٌ يتناول عالم الموسيقى الكلاسيكية في أميركا اللاتينية (تاريخ، مؤلفون، عازفون...)، لأمَّن مدخلاً ممتازاً إلى البرنامج الفني غير المألوف. وأخيراً، يغيب عن الدورة المعرض التشكيلي أو الفوتوغرافي الذي تميّز به المهرجان. وعدَت مديرة المهرجان ميرنا بستاني بـ«أميركا اللاتينية ـ 2»، ولن نجد أفضل من «مهرجان البستان» لتحقيق هذه الأمنيات.