ليست القصة رقابة ومنع فحسب. إنها ميدان فسيح لتأمل علاقة الانتاج الفني العربي بارتجاج واقع النظم السياسية في المنطقة العربية. تأمل «سوق» الفن و«قيم» هذا السوق. في «آرت دبي» سوق الفن الأوسع في منطقة الخليج الذي يختتم غداً، دخل رجال أَمن غامضو الهوية الشرطية إلى غاليري «آرت سبيس» ومنعوا عرض عملين. المشترك بين العملين الممنوعين لفنانين عربيين من الجيل الجديد، هو توظيف الملابس الداخلية النسوية مع إحالة مباشرة إلى الثورة المصرية.
العمل الأول لوحة للفلسطيني شادي الزقزوق (1981) بعنوان «بعد الغسيل»، تظهر شابة ملثمة تعرض كلسوناً نسوياً عليه كلمة «إرحل»، أبت بكل مباشرتها و«وقاحتها» أن تزول مع عملية الغسيل.
العمل الآخر الممنوع للمغربي زكريا رحماني (1983) بعنوان «كنت حبي الوحيد»، حيث يعيد رحماني إنتاج الصورة الشهيرة للفتاة المصرية الشجاعة التي جرجرها الأمن وكشف عن صدريتها. عمل رحماني جزء من سلسلة أعمال تعيد إنتاج صور معولمة لرموز سياسية وشخصيات فنية بأسلوبية تمزج «البوب آرت» برسمٍ يستثمر الخط العربي في عملية الرسم. الخط العربي مستثمر في أعمال رحماني منذ سنوات كفعل احتجاج وتثوير وطرح للمسألة العربية في فضاء أصم. أعمال تصدر عن ذاكرة موشومة ورفض خلاق لواقع يحط من قيمة الإنسان.



في لوحة رحماني الممنوعة، نرى صورة الفتاة المعروفة باضافات من الفنان حيث نرى قرداً هو النصف الأعلى لأحد رجال الأمن المسلحين بالهراوات وآخر في حالة وجوم، ونرى فان غوغ في اللوحة كأنما شاهد عاجز على العنف المقارب للاغتصاب الذي تتعرض له فتاة مثلّت في تلك اللحظة استعارة لأمة كاملة تواجه مغتصبيها ببسالة. تصوّر اللوحة مشهداً من الغابة البشرية، غابة القمع السياسي. في بقية أعمال السلسلة، يقدّم رحماني نسخته الخاصة لبورتريهات شخصيات مثل ملك المغرب (موشمة بالخط العربي بثلاث كلمات: الملك، الله، الوطن) وباراك أوباما، وبابا الفاتيكان، وحتى ياسر عرفات، وفان غوغ، والمسيح (مسيح من الخط العربي على الصليب) بالإضافة إلى مشاهد صادمة من الثورة المصرية بثتها الميديا وأعاد الفنان إنتاجها.
من المفارقات أيضاً أنّ صاحب العمل الممنوع شادي الزقزوق، قوبل طلبه بالحصول على تأشيرة لحضور المعرض الذي يشارك فيه بالرفض من السلطات الإماراتية. يبدو أن الجنسية الفلسطينية التي يحملها الفنان (وليس الليبية كما نقلت بعض المواقع عن الفنان المولود في ليبيا والناشئ في غزة قبل أن ينتقل للعيش في فرنسا منذ سنوات) ليست من الجنسيات المرحّب بها في دبي المبنية أسطورتها على اللبرلة والانفتاح أمام جميع الجنسيات. ويبدو أن منع الفلسطينيين من دخول البلدان العربية سواء كانوا فنانين أو غير فنانين هو من الأمور العادية! وهل يستطيع الفلسطيني دخول القاهرة أو بيروت ومعظم البلدان العربية إلا بشق النفس؟ الثورة العربية كما تقترح أعمال رحماني والزقزوق فعل مستقبلي. والمنع في عالم يعج بقيم الاستهلاك علامة جدارة، فهنيئاً للفنانين الممنوعين.

موقع زكريا رمحاني:
www.zakariaramhani.com

موقع شادي الزقزوق:
www.shadialzaqzouq.com