تحتفل بيروت الليلة على طريقتها بـ«يوم المسرح العالمي». العيد أتى، وأحد أعرق مسارح المدينة مغلق. المجموعة الناشطة في حماية المسرح، أبت أن يمرّ العيد من دون تذكير «وزارة الثقافة» بمسؤوليتها. «ردّوا المسرح لبيروت» صرخة أطلقتها مجموعة من الناشطين والفنّانين والحقوقيين المعنيين بالشأن الثقافي والسياسات الثقافية في لبنان.
انطلق هذا التحرّك المطلبي في كانون الأوّل (ديسمبر) 2011، وبدأ يتبلور تدريجاً. وفي مناسبة احتفال العالم بـ«يوم المسرح العالمي» الذي يصادف اليوم 27 آذار (مارس)، تنظّم المجموعة نشاطاً مسرحياً احتجاجياً على إقفال «مسرح بيروت» ينطلق من «مسرح المدينة» (الحمراء/ بيروت) عند الثامنة، وينتهي بمسيرة باتجاه «مسرح بيروت» في عين المريسة. وأمام أبواب المسرح المقفلة، سيلقي المجتمعون كلمة «اليوم العالمي للمسرح» التي كتبها هذا العام المخرج والممثل الأميركي الشهير جون مالكوفيتش (راجع المقال أدناه).
بموازاة الحدث الاحتجاجي المسرحي، تنشط المجموعة في مسار قانوني يدعم مطالبها دعماً أساسياً. المحامية نائلة جعجع، الناشطة مع مجموعة حماية «مسرح بيروت»، تُسرّ إلى «الأخبار» بأنّها سترفع لوزير الثقافة كابي ليون مشروع قانون وضع يد أو مصادرة موقّت، يهدف إلى تفعيل المادة 15 من قانون الممتلكات الثقافية الصادر تحت رقم 37/2008». وبحسب الحقوقيّة والناشطة، تهدف هذه الخطوة إلى رفع الضرر عن المسرح، بعد وقف العمل فيه، وتعطيل أنشطته، والتعويض عن التلف الذي قد يكون قد حلّ بمقتنياته وخشبته بسبب إقفاله وعدم صيانته. وفي الخلاصة، يمكن أن تحدد الدولة تعويضاً للمالك، ويُتَّفَق تالياً على الخطوات اللاحقة لإعادة تفعيل نشاط المسرح، سواء بتسليمه لوزارة الثقافة أو للجمعيات الأهليّة. هذا ما تطمح إليه المجموعة اليوم، وسط التعاون الذي تظهره وزارة الثقافة في الوقت الحاضر، كما تشير جعجع.
هذا الحلّ الممكن، توصّلت إليه المجموعة، بعض أشهر من المطالعات والنقاشات القانونيّة. هذه المقاربة، لم نعتد رؤيتها في التحركات الاحتجاجيّة الثقافيّة على الساحة المحليّة. الجديد الذي فرضه تحرّك مجموعة «ردّوا المسرح لبيروت» هو الضغط على الصعيد القانوني، بهدف وضع وزارة الثقافة أمام مسؤوليتها. والهدف هو بكلّ بساطة تنفيذ ما ينصّ عليه القانون اللبناني. فهل سيفلح نشاط المجموعة في تفعيله؟ أم سيبقى القانون المذكور في أدراج وزارة الثقافة؟
منذ انطلاق التحرّك في الخريف الماضي، طالبت المجموعة وزارة الثقافة بالحفاظ على «مسرح بيروت»، نظراً إلى تضاؤل الفضاءات الثقافية في لبنان. يومها، نشطت مجموعة من الفنانين والحقوقيين لمنع تغيير وجهة استعمال المسرح، بعد إقفاله إثر انتهاء عقد الإيجار بين شاغليه (المخرج عصام بو خالد) ومالكيه (عائلة سنّو)، وانتشار شائعات عن إمكان هدم العقار. ورغم احترام المجموعة لإرادة مالكي العقار (عائلة سنّو) ببيعه أو التصرّف به، ورغم تقديرها للجهد الكبير الذي قدّمه سعيد سنّو بتحويله مرأب عائلته القديم إلى مسرح صار جزءاً من تاريخ المدينة، رأت المجموعة أنّ «مسرح بيروت» لم يعد إرثاً خاصاً، بل إرثاً ثقافياً عاماً.
انطلاقاً من هذا الوعي، راحت المجموعة تبحث في القوانين اللبنانية عن نصوص وأحكام تحمي الفضاءات الثقافية، وتضمن استمرارية نشاطها، بمعزل عن الجهة المالكة. وبعد البحث والتشاور، قرّر الناشطون تنظيم اعتصام أمام وزارة الثقافة في 21 كانون الأول (ديسمبر) الماضي للمطالبة باتخاذ تدبير فوري بوضع اليد على المسرح، إلى أن يُصنَّف ممتلكاً ثقافياً تؤول إدارته إلى وزارة الثقافة، بالتعاون مع الجمعيات الثقافية المحلية. وفي يوم الاعتصام نفسه، جاء ردّ الوزير كابي ليّون من خلال إصدار القرار رقم 133/2011 القاضي بإدخال مسرح بيروت في لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية، بناءً على نظام الآثار القديمة الصادر عام 1933. والواقع أنّ القرار المذكور، لم يشكِّل إلا خطوةً أولى في سبيل إنقاذ المسرح، إلّا أنَّه لم يلبّ الغاية المرجوة في إعادة فتح أبوابه، والحفاظ على وجهة عمله كخشبة ناشطة تستضيف العروض. والدليل أنّ المالكين قرروا إقفال المسرح، قبل الموعد المرتقب، قاطعين النشاط الوداعي الذي نظّمته مجموعة من الفنانين.
قرار الوزير الأوّلي غير كافٍ إذاً، والسبب أنّ قانون الآثار القديم لا يشمل آلياتٍ تسمح باستمرار العمل في المسرح، بل تكفل حماية الحجر فقط. مجموعة «ردّوا المسرح لبيروت» كانت تطمح إلى تطبيق قانون الممتلكات الثقافية الصادر تحت رقم 37/2008 الذي كرّس مجموعة تدابير تساعد في الحفاظ على الممتلكات الثقافية، من خلال تدخّل الجهات الرسمية، ولا سيما وزارة الثقافة. ويمكن تلك التدابير أن تشمل مستويات عديدة، منها الاعتراف، والتصنيف، والإدارة، ووضع اليد، والمصادرة، وصولاً إلى الاستملاك. ميزة قانون 2008 الذي لم يسبق تطبيقه بعد، أنّه يحمي التراث المادي وغير المادي، وينطبق بنحو مثالي على حالة «مسرح بيروت». كذلك يكفل هذا القانون إشراك المجتمع المدني في عملية إدارة الممتلكات الثقافية وتعزيزها وحمايتها.
خلال الأشهر الماضية، طرقت المجموعة باب الوزارة مراراً لمناقشة ضعف القرار الصادر سابقاً، والبحث في سبل كيفية تفعيل القانون 37/ 2008، على أمل تطبيقه للمرة الأولى! هل تثبت وزارة الثقافة لمرّة أنّها معنيّة بالحياة الثقافية في لبنان خارج افتتاح المعارض والمهرجانات؟ مجلس الوزراء ووزير الثقافة بالتحديد أمام امتحان صعب... وهو امتحان لا يهدف إلى حماية «مسرح بيروت» فقط، بل هوية بلد بأكمله.

حملة «ردّوا المسرح لبيروت»: 8:00 مساء اليوم ــــ «مسرح المدينة» (الحمراء) للاستعلام : 03/098894



بلد بلا ذاكرة

في يوم المسرح العالمي (27 آذار/ مارس)، يتذكّر الممثلون المسرحيون في لبنان «مسرح بيروت» وسط المعمعمة المحيطة بمصيره. المخضرمة رينيه ديك تعتبر ذلك المسرح بيتها، خصوصاً أنّها وقفت عليه منذ الستينيات في أعمال لريمون جبارة وجواد الأسدي. ترى «السيّدة» أنّنا نعيش في دولة لا ذاكرة لها، ولم تعمل حتى الآن على تأسيس مسرح وطني، جاعلةً من كل فنان يتيماً في بلده.



شواهد على قبر بيروت

تأسف نضال الأشقر لإقفال المسارح عوضاً عن بناء الذاكرة الشعبية والثقافية. تخشى الممثلة والمخرجة اللبنانية أن تتحوّل المسارح إلى مجرّد لافتات وعلامات على وجود مدينة، «نصبح فيها توابيت وشواهد». وتسأل: «ما الذي حصل لـ«التياترو الكبير؟ ومن يعلم متى يأتي دور المسارح الباقية، ويقرر مالكوها استعادة العقار؟ الدولة اللبنانية لم تملك يوماً مشروعاً ثقافياً للبلد بهدف النهوض بالإنسان، وأعتقد أنها لم تملك يوماً أي مشروع كان».




حفلة عزاء جديدة

لا يمكن لرفيق علي أحمد أن يقارب إقفال المسارح ودور السينما والمقاهي الثقافية في العاصمة، إلا في إطار خطّة سياسيّة تعمل للقضاء على وجه المدينة الثقافي. يحمّل الممثل اللبناني المسؤولية لسلطة توالى على إدارتها سياسيون لا يمتلكون أي حسّ فنيّ، ولم يعوا يوماً أهميّة بيروت ومكانتها التاريخية والثقافية. برأيه، على المدينة أن تناضل من أجل الحفاظ على دورها الكبير كي لا نغرق في حفلة عزاء جديدة بمسرح آخر.




أقفلوا الوزارة

في ظل إقفال «مسرح بيروت»، يجد رفعت طربيه الحلّ الأنجع. يسترجع معنا عدد المسارح التي أقفلت منذ أن تأسست «وزارة الثقافة» عام 1993: مسرح «مارون النقاش»، و«البيكاديلي»، و«مسرح المدينة» القديم (كليمنصو)، إضافةً إلى صالات السينما في شارع الحمراء، وتلك التي طالها القصف خلال الحرب الأهلية في ساحة البرج، ولم تبذل الوزارة أي مجهود لإعادة افتتاحها. لذلك، يقول طربيه اليوم: «أقفلوا وزارة الثقافة!».



أيام «مجدلون»

«مسرح بيروت» ذاكرة مضيئة في تاريخ الخشبة اللبنانية، برأي الممثل العتيق نقولا دانيال.
يتذكر حين كان طالباً في معهد الفنون الجميلة، يمثل على خشبته مع أستاذه روجيه عساف في مسرحية «مجدلون» (1969). برأيه، فإنّ الخطر الذي يهدد «مسرح بيروت» اليوم، قد يطال المسارح الأخرى غداً، تلك المسارح التي جاءت ثمرة مبادرات فردية، نهضت بفنون الفرجة في ظل غياب الدولة.



ننعى إليكم الدولة

رندا الأسمر قلقة من امتداد قضيّة «مسرح بيروت» إلى المسارح المتبقية. الممثلة اللبنانية التي أدّت على خشبة المسرح العريق أدواراً عديدة منها دورها في «الخادمتان» لجواد الأسدي، ترى أنّ كل المسارح في بيروت مهددة بالإقفال لأسباب اقتصادية. كلّ المسارح ناهضةٌ اليوم بمبادرات فردية، ولا تحظى بأي دعم من الدولة. «تبقى المعضلة الأكبر أنّ لا مسارح جديدة تفتح أبوابها، فكلما أقفل مسرح ضاقت الفضاءات الثقافية».