في مثل هذا التاريخ، منذ نصف قرن، يحيي أهل المسرح المناسبة الرمزيّة التي أطلقتها «الهيئة الدوليّة للمسرح» برعاية منظّمة اليونيسكو. وفي العالم العربي، يعكس الاحتفال الذي طبعته كلمة سعد الله ونّوس الشهيرة في عام ١٩٩٦ («نحن محكومون بالأمل…»)، الهواجس الكامنة تحت ركام الراهن. «يوم المسرح العالمي» الذي يجمع بين أفراد وتجارب وجماعات من حضارات ولغات وانتماءات مختلفة، هو عندنا دعوة إلى تجديد الوفاء لرسالة إبداعيّة تتطلّب العمل الشاق، والصمود المادي والمعنوي في وجه الرياح المعاكسة. إن الدفاع عن المسرح العربي، كان ولا يزال يعني التمسّك ببصيص الأمل المتبقّي بغد أفضل، بالمدنيّة والعقلانيّة والمؤسسات، بالحريّة الفرديّة وتأكيد الهويّة وتفتّحها، بالتنمية والعدالة والديموقراطيّة… أليس المسرح، بامتياز، فنّ تمجيد الاختلاف والحريّة والتعدّد؟ خلافاً للمحتفلين بالمناسبة في أماكن أخرى من العالم، ما زلنا هنا في قلب المعمعة، عاجزين عن إرساء أبسط التقاليد المدينيّة. أما المكتسبات القليلة التي حقّقها جيل الروّاد ومن تلاهم، فمهدّدة الآن بالضياع. في بغداد بات المسرح، والفنّ عموماً، كفراً وزندقةً وحراماً. وفي تونس أطلّت الغربان أوّل من أمس لتغطّي بسوادها ونعيقها على بياض المسرح الوطني في جادة الحبيب بورقيبة. أما في بيروت الكثيرة الادّعاء والمراوغة، فحدّث ولا حرج. في هذا الماخور العظيم الذي يحكمه السماسرة، بات كل شيء للبيع، من العمارات «ذات الطابع التراثي» في حي مار مخايل إلى ميدان السباق الروماني، مروراً بـ«مسرح بيروت»… السماسرة لا يحبّون الثقافة، وتجّار الضمائر الفاسدة كما الأطعمة والأدوية، لا يفقهون ضرورة المسرح.
بين غربان ما بعد «الربيع العربي» (الموؤود) وسماسرة كل الفصول، يتواصل انهيار المشروع الحداثي الذي طبع العصر الذهبي لبيروت… ودافع عنه الحبيب بورقيبة، أبو الاستقلال التونسي، حين أكّد على أهميّة المسرح كدعامة من دعامات مرحلة ما بعد الاستقلال. «يوم المسرح العالمي» هو إذاً يوم ضدّ رسل الظلام وأنبياء الليبراليّة الوحشيّة. يوم مقاومة، كي يبقى هناك مكان لـ«طرح السؤال الأساسي» بتعبير مالكوفيتش. بعد ظهر الأحد، وقفت القوى التقدّمية على درج المسرح الوطني في تونس، يرافقها طيف علي بن عيّاد. وفي المقلب الشرقي، اختارت الفضاءات الثقافيّة، آخر جيوب المقاومة، أن تغيّر اسمها لتصبح جميعها «مسرح بيروت». قوى المجتمع المدني ترفع صوتها اليوم، لتطالب وزير الثقافة اللبناني بأن يعيد «تياتر بيروت» إلى المدينة. هل ما زال بوسعنا أن ننتظر شيئاً من معالي الوزير ومن حكومته؟