بغداد | المشهد الذي رسمته الفضائيات المحلية العراقية منذ أسبوع ركّز على فكرة عودة العراق الى محيطه العربي مع انعقاد قمّة بغداد أمس. لكنّ المواد والبرامج التي عُرضت في هذا الإطار، لم تخلُ من بعض الإخفاقات والأخطاء المهنية، والقصور الواضح في الإضاءة على العراقيل التي وضعتها اللجنة الإعلامية المشرفة على القمة أمام مشاركة الصحافة المستقلة في بغداد. وفي الإجمال، تابعنا على فضائيات العراق فواصل تعريفية بأهم البلدان الأعضاء في جامعة الدول العربية، ومساحاتها وتاريخ انضمامها الى هذا الكيان الاتحادي، إضافة الى برامج وثائقية عن القمم منذ عام 1945. قناة «العراقية» الرسمية خرجت بخطاب مغاير لنهجها المعتاد منذ تأسيسها. هنا كان المشاهد على موعد مع مقاطع من الأناشيد الوطنية لمصر، والسعودية، وقطر، والجزائر، ولبنان وباقي الدول، مع عرض لصور من القاهرة، ومهرجان الجنادرية، وشوارع الدوحة، وآثار بلاد الأرز، وناطحات دبي وبنيانها.
كانت تلك مفارقة فاقعة في أداء الفضائية الرسمية، التي ظلّ نهجها مشجعاً على استمرار القطيعة العراقية العربية بعد سقوط نظام صدام، لكنّ صحوتها المفاجئة تلخّصت في برامج «ستوديو بغداد» و«العراقية والحدث» وآخر مستحدث بعنوان «قمة بغداد»، فضلاً عن تقارير ميدانية من أمكنة الحدث، إلا أنّ المقدّمين والمراسلين وقعوا في أخطاء لغوية بالجملة، وسوء انتقاء الكلمات المناسبة، سواء في الاستوديو، أو خلال تغطية حراك القمة في مطار بغداد والقصر الحكومي، ومقر إقامة الإعلاميين في فندق «عشتار شيراتون» المطلّ على شارع أبي نواس.أما فضائية «البابلية» التابعة لنائب رئيس الوزراء صالح المطلك، فقد نسيت قمة بغداد، ثم تذكّرتها فجأة بعدما منعت الحكومة فريقها الإعلامي من تغطيتها. هكذا، شُغلت بإبراز تصريحات رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، الذي اتهم رئيس الوزراء نوري المالكي بالدكتاتورية التي ستقود البلاد الى الهاوية، أكثر من تفاعلها مع متابعة القمة العربية.
«السومرية» و«البغدادية» أبقتا نهجهما السابق، بوصفهما فضائيتين إخباريتين تقدمان مادة تمتلئ بالتحليل والمتابعة للحدث، ولو بتوجهات متباينة. غير أنّ «البغدادية» تميزت بعرض فيلم وثائقي بعنوان «قمم العرب»، الذي استعرضت أجزاؤه الثلاثة تاريخ جامعة الدول العربية، وضمّ شهادات الكثير من الساسة العرب. صحيح أنّ «البغدادية» و«السومرية» أضاءتا على معاناة الناس جراء التشديدات الأمنية وقطع الطرق بسبب القمة العربية، إلا أنّ قناة «الشرقية» ركّزت على هذه الزاوية وسلبياتها، من دون أن تستعرض النقاط المضيئة في انعقاد القمة في بلاد الرافدين. وفي ضرب تحت الحزام، وجهت أنظار مشاهديها إلى ما نقلته صحف خليجية صدرت يوم الأربعاء الماضي عن أنّ «مطار بغداد تحميه قوات إيرانية»، ولم يعرف أحد مصدر هذا الادعاء وصدقيته. فضيحة الفضائح التي تثير الحزن في نفس المشاهد كانت فضائية «آفاق»، التابعة لرئيس الوزراء نوري المالكي. أولت هذه المحطة اهتماماً واضحاً بعودة العرب الى بغداد، لكنّ المضحك أنّ «كونترول» القناة حرص على عرض تعليقات بعض العراقيين المكتوبة بالعامية في الشريط أسفل الشاشة. هكذا، قرأنا فوق الشريط المكرّس لأجواء القمة، عبارات شريط ثانٍ تتوجّه الى المالكي: «سيدنا المفدى، أبو إسراء البطل، يا مختار العصر، القائد الحقيقي، نحن بشاربك!».
ونشير هنا الى أنّ كل فضائية وضعت فاصلاً إعلانياً خاصاً بها يختصر نظرتها إلى القمة العربية: «السومرية» عنونت: «عاد العراق فعادوا، والعود أحمد»، فيما اختارت «الرشيد» شعار «بغداد بيت العرب». وانتقت «الفرات» شعاراً مماثلاً هو: «بغداد تجمع العرب». أما «الفيحاء»، فوضعت «قمة بغداد.. قبلة الوفود العربية»، فيما نبّهت «بغداد» الى الأيام الباقية على عقد القمة منذ بدء الأسبوع الماضي.
وتبقى البرامج الخاصة والساعات الحوارية من أهم المواد الإعلامية التي عرضتها الشاشات العراقية منذ السبت الماضي. استضافت هذه البرامج كتّاباً وباحثين عرباً وعراقيين، مثل برنامج «ستوديو الآن» وكاميرا «ما يقوله الناس» عن معاناة العراقيين هذه الأيام (الاتجاه)، و«المختصر» (البغدادية)، و«المشهد الأخير» (الرشيد)، و«فضاء الحرية» (الفيحاء). وأخيراً، اهتمت فضائية «الفرات» برفد مشاهدها بتقارير ميدانية من عواصم الدول العربية. هكذا، خرج علينا مراسلها في غزة أيمن العلول ليحكي عن طموحات الفلسطينيين بقرارات أكثر جدية في هذه الدورة، وراحت مراسلتها في تونس نجوى الهمامي تتحدث عن أهمية عودة بغداد الى الحضن العربي.
(راجع ص 16-17)



بحثاً عن مكسب سياسي

من المآخذ التي تسجّل على الفضائيات المحلية أنّها لم تسلّط الضوء على العراقيل التي واجهها الإعلاميون في محاولتهم تغطية فعاليات قمة بغداد. عدد محدود من المواقع تداول بيان «مرصد الحريات» الداعي الى تقديم الحكومة وأجهزتها الأمنية تسهيلات للإعلاميين، مع عرض شكاوى حول إبقاء فضائية «العراقية» قريبة من أجواء ما يجري أكثر من غيرها. مصادر في بغداد قالت لـ «الأخبار» إنّ اللجنة العراقية المسؤولة عن الإعلام في القمة عملت على انتقاء أسماء إعلامية محددة لتغطية الحدث. وعزت المصادر هذا السلوك الى رغبة الحكومة في تحقيق «مكسب سياسي من القمة» فأدّى ذلك إلى تغييب الصحافة المستقلة.