الرباط | رغم موقعه في صلب الفكر العربي المعاصر، وخصوصاً المغربي، يفضل عبد الله العروي (1933) العزلة. يضع صاحب «الإيديولوجيا العربية المعاصرة» مسافة بينه وبين الإعلام والحدث. بعد صمت أربع سنوات، منذ الحوار الذي أجراه مع مجلة «إيكونوميا»، عاد ليتحدّث عن موقفه من الأحداث السياسية التي يشهدها المغرب، ووحدة المغرب الكبير والإسلاميين والملكية.
في حواره مع مجلة «زمان» (عدد نيسان/أبريل) الناطقة بالفرنسية والمختصة بالتاريخ المغربي المعاصر، تحدث «شيخ المؤرخين المغاربة» طويلاً عن المغرب الكبير بتشاؤم. صاحب «مجمل تاريخ المغرب» رأى أن الوحدة بين الدول المغاربية فكرة يصعب تحقيقها. نبرة التشاؤم جاءت نتيجة تأمل دام عقوداً في الواقع المغاربي، وفي واقعه السوسيولوجي والسياسي. في هذا اللقاء، قال العروي: «نعتقد أنّ وحدة المغرب الكبير تنبع من الجغرافيا، لكن الأمر ليس بديهياً. حين يتحد مجالان ترابيان، فلأن هناك عناصر مشتركة بينهما كالأصول، واللغة، والدين والثقافة. لكن هذا لا يكفي. يجب توافر الإرادة السياسية. وحتى بتحقيقها، فهذه الوحدة تظل هشة» ... قبل أن يضيف إنّه كلّما ارتفع منسوب التعليم في الدول، أحسّ سكانها بانتماء أكبر إلى الدولة الوطنية، وقاطعوا هذه الأسطورة، وخصوصاً أنّ الدولة الوطنية أصبحت واقعاً ترسّخ مع بدايات سنوات الاستقلال. وتابع إنّه «لو طلب مني مجدداً أن أكتب تاريخ المغرب الكبير، فسأرفض وسأكتب عن المغرب فقط» قبل أن يخلص: «حين كتبت تاريخ المغرب عام 1969، لم تكن الدولة القطرية بهذا التنظيم. السياق الذي كتبت فيه كتابي تغيّر». واقترح بدلاً من ذلك وحدة اقتصادية بين دول المنطقة.
العروي الذي اعترف في حواره بأن معرفة التاريخ لا تعني بالضرورة القدرة على استشراف المستقبل، انتقد بطريقة غير مباشرة «حركة 20 فبراير» الشبابية. وقال صاحب «مفهوم الإيديولوجيا» إنّ الحركة أخطأت موعدها مع التاريخ، فالمؤرخون المستقبليون سيتوقفون كثيراً عند نص الدستور الجديد للمغرب (2011) الذي حررته لجنة تابعة للقصر، وجاء كاستجابة لضغط الشارع. واستشهد المؤرخ بالثورة الفرنسية، وكيف أنّ المؤرخين يتوقفون عند المجلس التأسيسي الذي ترك مئات الأطنان من الوثائق التي يعود إليها الدارسون، «بينما صوت الجماهير ذرته رياح التاريخ». وبهذا، أكّد العروي أنّ الحركات الحالية «ردة فعل على مواعيد ضائعة، وخصوصاً الموعد مع الدمقرطة الذي هو موعد تاريخي ملحّ». وتابع إنّ الملكية هي صمام الأمان للمجتمع المغربي. صاحب فكر القطيعة المعرفية مع التراث العربي الإسلامي، والمناصر لقيم الحداثة «الغربية» باعتبارها قيماً إنسانية، لا يؤمن بها في السياسة. لقد ارتبط دوماً باختيارات القصر، ولم يخل حواره من تمجيد لدور المؤسسة الملكية في المجتمع المغربي. يقول العروي إنّ «الملكية الدستورية يجب عليها حماية المجتمع من القوى التقليدية والمحافظة». وعما إذا كانت الملكية قاطرة التغيير، لم يتردد صاحب «أزمة المثقفين العرب تقليدية أم تاريخانية؟» في الموافقة على ذلك، معتبراً أنّ خطابات الملك «لا يفهمها فقط المواطن العادي، بل حتى قطاع كبير من النخب»! وخلص إلى أنّ «الملكية تلعب دوراً ضامناً للاستقرار، وخصوصا أنّها تضمن الفصل بين الديني والسياسي».
وفي حديثه عن الحكومة الجديدة التي يتزعمها حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي، أجاب العروي بأنّنا لسنا أمام حكومة إسلامية بل تحالف. وأضاف: «لا أرى أي طابع إسلامي في ممارسة حكومتنا (...) يجب أن نحاكم هذه الحكومة على ما تفعله، لا على ما تقوله، أو قالته في الماضي». فهل يجب محاكمة العروي انطلاقاً من فكر القطيعة الذي نادى به؟ أم من مقاربته السياسية القريبة من القصر بكل ما يمثله من قيم تقليدية؟



رائدة التغيير

يأخذ كثيرون على العروي قربه من المؤسسة الملكية منذ السبعينيات. رأى في كتاباته أنّ هذه المؤسسة كانت السبّاقة في كل المجالات، ورائدة التغيير والتحديث في المملكة. حالما يتحدّث عن نموذج الحكم، يخالف العروي منطق القطيعة الذي بني عليه فكره، فيصير تقليدياً يؤمن بالاستمرارية. وحين ألّف كتاباً عن الحسن الثاني بعنوان «المغرب والحسن الثاني» عام 2005، رأى أن نظام حكمه لم يكن سوى محاولة لخلق استمرارية في النموذج التاريخي للحكم في المغرب. كأنه بهذا برّر مجموعة من القرارات السياسية التي اتخذها الحسن الثاني وكلّفت المغاربة غالياً.