في فيلمهما الأول، اختار البريطانيان ديلكان دونيلان ونيك أورمرود رواية الكاتب الفرنسي غي دو موباسان Bel Ami وتحويلها إلى فيلم قائم على مشاهد الجنس، حيث غاب العمق في مقاربة تعقيدات المجتمع الفرنسي في القرن التاسع عشر، وتحديداً خلال العصر الجميل La Belle Epoque. إنّها ليست المرة الأولى التي تقتبس فيها الشاشة الكبيرة «الصديق الجميل» التي صدرت عام 1885، وكانت الرواية الثانية لغي دو موباسان.
الفن السابع احتضن تلك الرواية منذ العام 1919 بنسخة أولى بالأبيض والأسود للمخرج الإيطالي أوغوستو جينينا، وتوالت الاقتباسات في السينما الألمانية، والسويدية، والفرنسية، والأميركية، والبريطانية، وغيرها، ليبلغ مجموعة الاقتباسات نحو ثلاث عشرة نسخة سينمائية من الرواية، يضاف إليها فيلم ديلكان دونيلان ونيك أورمرود الذي نزل أخيراً إلى الصالات اللبنانية.
وقد يكون السبب الرئيسي الذي دفع عدداً كبيراً من المخرجين إلى اقتباس تلك الرواية، إضافة إلى قيمتها الأدبية، أنّها تندرج ضمن تيار الأدب الواقعي الذي تجري أحداثه في سياق سياسي وجغرافي قريب جداً إلى الواقع، وتتضمن تفاصيل سردية ووصفية واقعية كثيفة لمشاعر الشخصيات وخصوصاً حاجاتها ونزعاتها، مما يسهل اقتباسها إلى شكل السيناريو السينمائي.
أما المخرجان ديلكان دونيلان (1953) ونيك أورمرود (1951) فقد التقيا للمرة الأولى في عمل مسرحي في العام 1972، ليشكل ذلك بداية قصة حب وشراكة فنية حتى اليوم. في العام 1981، أسّسا معاً فرقة مسرحية في لندن حملت اسم Cheek by Jowl واشتهرت في تقديم أعمال مسرحية كثيرة لكبار المسرحيين مثل شكسبير، وتشيخوف، وكورناي، وصولاً إلى المعلّم البريطاني بيتر بروك. أما ما دفع المخرجين المسرحيين إلى انتقاء رواية Bel Ami لاقتباسها في فيلمهما الأول، فكان التشابه الكبير بين العلاقة الوثيقة والنفوذ الذي كانت تمارسه الصحافة على السياسة آنذاك، ودورها اليوم في بريطانيا، إضافة إلى اهتمامهما بإبراز تلك اللعبة الجنسية التي يستغل فيها الطرفان ـ الرجل والمرأة ــ بعضهما سياسياً واقتصادياً. لكن رهانهما على روبرت باتيسون الذي عرفناه مجسّداً دور المراهق ومصاص الدماء بامتياز في سلسلة أفلام Twilight، فقد جاء خاسراً. يؤدي الممثل البريطاني الدور الرئيسي في الفيلم. إنّه ذاك الشاب الوسيم جورج دوروا العائد من الحرب في الجزائر إلى باريس في أواخر القرن التاسع عشر. من البؤس، والفقر المسيطر على حياته، يقرر دوروا دخول صالونات البورجوازية الفرنسية، وتسلق سلّم النفوذ وجمع الثروة والمال من خلال إغواء زوجات رجال السلطة. نصيحة تسديها له مادلين فوريستييه (أوما ثورمان) امرأة صديق قديم عرفه في الجزائر، وصار صحافياً مهماً في جريدة La Vie Française.
وبدلاً أن ترضخ فوريستييه لمحاولة دوروا إغوائها، تقرر أن تساعده للوصول إلى مبتغاه. تكتب له المقالات السياسية التي تخوّله دخول عالم الصحافة، ثم ترشده إلى إغواء البورجوازية البوهيمية كلوتيلد دو ماريل (كريستينا ريتشي) التي تصبح عشيقته طوال الفيلم. ثم تقوده إلى المدام فيرجيني وولتر (كريستين سكوت توماس) صاحبة جريدة La Vie Francaise، كي يضمن مكانته في الجريدة. وثأراً من زوجها، يغازل ابنته، ويتزوجها. حتى فوريستييه، سوف تتزوج من دوروا عند موت زوجها، لكنها سوف تخونه باستمرار مع عشيقها القديم.
من امرأة إلى أخرى، ومن الأم إلى الابنة، يعود الفيلم إلى مشاهد الجنس التي تصبح إلى حد ما المادة الوحيدة للفيلم، خصوصاً أنّ باتيسون لم ينجح إطلاقاً في تجسيد شخصية دوروا الوصولية، والقذرة والجذابة في الوقت نفسه. لقد قدم شخصية باهتة الملامح، ومفرغة من النضج والتلاعب الذي يميز شخصية رواية غي دو موباسان. أما النساء الثلاث، فأدين أدوارهن بطريقة أكثر إتقاناً، وتميزت كريستين سكوت توماس في مشهد الشهوة في الكنيسة. لقد نجحت الممثلة البريطانية الفرنسية في تقمّص شخصية تلك المرأة المتقدمة في السن التي لم تخن زوجها سابقاً، ولكنها تتخبط في الاستجابة إلى إغواء شاب يافع وسيم.
تبقى التجربة السينمائية الأولى للمخرجين الآتيين من عالم المسرح، ركيكة جداً، ولم تستطع بلورة ترجمة سينمائية للأبعاد السياسية والاجتماعية والنفسية الدقيقة التي يتناولها غي دو موباسان في عمله. رواية Bel Ami التي تشكّل قراءة نقدية للسياسات الاستعمارية الفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر حيث تتجاور الرأسمالية، والصحافة، والسلطة، والسياسة، ودور المرأة المظلل آنذاك في المجتمع الباريسي في لعبة محفوفة بالجنس والرغبات، تُختزل هنا إلى شريط مليء بمشاهد جنسية، وأخرى سردية وسطحية ضمن ديكورات باذخة وثياب فخمة.



* Bel Ami: «سينما سيتي» (01/899993)، صالات «أمبير» (01/616600)