عمّان | بـ«لما ضحكت موناليزا» (2012)، اختارت «الهيئة الملكية الأردنية للأفلام» افتتاح الدورة الثانية من «مهرجان الفيلم العربي» في الباحة الخارجية لمقرّها في عمان. الحدث الذي اختُتم منذ أيام، احتضن أفلاماً من الأردن، والجزائر، والكويت، ومصر، ولبنان، وشهد تهافت الجمهور لمتابعة العرض الأول لباكورة فادي ج. حداد الطويلة. هذا ما أجبر المنظمين على تخصيص باحة أخرى لعرض الفيلم الأردني الذي يحكي قصة الفتاة موناليزا التي لم تعتد الابتسام، إلى أن تقع في حبّ شاب مصري يعمل في مؤسسة حكومية.
إنّها كوميديا رومانسية خفيفة بحوارات فكاهية موفّقة، مع إحالات كثيرة إلى عنصرية المجتمع وبيروقراطية الدوائر الرسمية. وُفّق المخرج الأردني في اختيار الممثلين أيضاً، خصوصاً البطلات الثلاث: تهاني سليم (موناليزا)، وهيفاء الآغا (عفاف، شقيقة موناليزا الكبيرة)، ونادرة عمران (نايفة، الموظفة المسؤولة في قسم الأرشيف في المؤسسة) التي كان أداؤها لافتاً. مع ذلك، وقع الشريط في مطبّ كليشيهات ميلودرامية، مكرّراً أحداثاً ومواقف تحصل بين حبيبين خجولين رأيناها في الكثير من الأفلام العربية، كما وقع في أخطاء تتعلّق بتصوير بعض تفاصيل حياة نساء يسكنّ الأحياء الشعبية الفقيرة والمحافظة.
استضافت الليلة الثانية فيلم مرزاق علواش «التائب» (2012) الذي سيحطّ رحاله قريباً في «مهرجان بيروت الدولي للسينما». يروي المخرج الجزائري قصة رشيد الذي هرب من الجبال، تاركاً خلفه الجماعات الإسلامية التي قاتل معها (الأخبار 8/5/2012 ــ 24/5/2012). يعود إلى قريته مستفيداً من سياسة الوئام الوطني (العفو العام) التي أقرتها الحكومة في محاولة لطيّ صفحة الصراع الأهلي الدامي في تسعينيات الجزائر، لكنّه سيصطدم بهذا الجرح المفتوح حتى اليوم. رغم التكرار غير المبرر لبعض المشاهد بعدما توضحت الغاية منها، نجح المخرج عبر اعتماده على الإيقاع البطيء كعادته، في إضفاء نوع من الترقّب والتأمل، كما برع الممثلون الرئيسيون في أداء أدوارهم ونقل مشاعرهم المرتبكة وذكرياتهم الأليمة.
في ليلة المهرجان الثالثة، كان الجمهور على موعد مع «تورا بورا» (2011). المخرج الكويتي وليد العوضي الذي درس في الولايات المتحدة، أراد في شريطه أن ينتقد تنظيم القاعدة «الذي خطف الإسلام وأساء إليه» كما قال قبل بدء العرض. يبدأ الفيلم مع أحمد الشاب الملثّم الذي غادر الكويت لللالتحاق بمجاهدي «القاعدة». أثار الفيلم جدلاً واسعاً بسبب تبنّيه وجهة نظر واحدة طغتْ عليها الرؤية الغربية النمطية إلى «القاعدة» وطالبان. إضافة إلى ضعف أداء الممثلين والحوار والأخطاء التقنية الأخرى، بدا ترابط أحداث الفيلم ضعيفاً، إذ لا يقف المخرج على أسباب الكثير من قرارات أبطاله، مثل التحاق أحمد بـ«القاعدة» تاركاً عائلته الثرية التي تبحث عنه وتحاول استعادته من معسكر «تورا بورا» لتدريب المجاهدين.
وكما «دكّان شحاتة»، جاء فيلم خالد يوسف «كف القمر» (2011) مخيباً للآمال. لم يعد جائزاً القول إن يوسف ينتمي إلى مدرسة يوسف شاهين. بدا الشريط كأي فيلم مصري عادي يصوّر القصة التقليدية عن فلاح صعيدي يحطّ رحاله في القاهرة للعمل، ويضيع بين الحلال والحرام. تمحو المدينة عاداته، وتقتل كرامته، لنقع أخيراً على مشاهد العائلة التي تتفكك، والثأر والحب والشرف والعار... وإن كان استقدام هيفا وهبي التي فشلت كممثلة في «دكان شحاتة»، يُعتبر ذكاء ترويجياً أيام النظام لتمرير رسالته وتنبّؤه بالثورة، فهل كان ضرورياً اللجوء مجدداً الى كليشيهات الإثارة الخفيفة مع الممثلة السورية جومانا مراد؟ لم نر في «كف القمر» إلا رسالة تدعو أبناء مصر إلى التوحّد بعد الثورة... فهل يحتاج يوسف إلى حيلة أخرى كي يصل فيلمه الى عامة الشعب؟



«مارسيدس» هادي زكاك

«مارسيدس» لهادي زكاك (الأخبار 28/5/2012)، هو الفيلم اللبناني الوثائقي الوحيد الذي عُرض في «مهرجان الفيلم العربي». وعلى غرار «لما ضحكت موناليزا»، استقطب «مارسيدس» جمهوراً كبيراً جلس بعضه على الأرض بعد امتلاء المقاعد. وبدا واضحاً أن لزكاك جمهوراً في الأردن يتابع أفلامه، ويناقش أفكاره، كما حصل بعد انتهاء عرض الشريط، إذ دار حديث حول آفة الطائفية وأثرها في لبنان وعلى الفنّ السابع، والحرب الأهلية وانعكاسات كل ذلك على السينما اللبنانية.