دمشق | تكاد الفضائيات السورية تكون البديل الوحيد للمشاهد حين يقرر الابتعاد عن المحطات التي تعبث بالأزمة السورية نتيجة كذبها المتعمد والتحريض على المزيد من العنف، وإن كانت القنوات السورية لا تمثّل سوى وجه آخر للعملة ذاتها لكن بطريقة وأسلوب مختلفين. هكذا، صار هذا المشاهد هدفاً لتضليل مؤكد، فحالما تعرض الفضائيات الإخبارية المتخصصة الخبر العاجل عن سوريا، حتى تسارع المحطات السورية إلى تكذيبه. وقد يكون العكس صحيحاً.
لكن تلك المعادلة لم ترق سياسيين عرباً، أوّلهم وزراء الخارجية الذين أوصوا في اجتماع مطلع حزيران (يونيو) الماضي بحجب الفضائيات السورية الرسمية وتلفزيون «الدنيا» الموالي للنظام عن القمرين «عربسات» و«نايلسات». يومها، ردّ رئيس مجلس إدارة «نايلسات» صلاح حمزة على ذلك في حديث مع «الأخبار»، مؤكداً أنّ الشركة لم تبلّغ أي شيء رسمي، مضيفاً أنّه ليس بالضرورة أن تمتثل لقرارات وزراء الخارجية العرب لكونها شركة خاصة (الأخبار 6/8/ 2012).
بعد ذلك، تعرّض تلفزيون «الدنيا» لتشفيرات عدة على «نايلسات»، لكنّه تمكن من العودة إلى البث على تردد جديد. لكن ما حصل يوم أمس هو أكبر انتهاك بحق الإعلام السوري منذ اندلاع الأزمة، بل إنّه ضربة من تحت الحزام، قد يعدّ استمراراً لمسلسل ترويع الإعلاميين وقتلهم ولو اختلفت هذه المرة الأدوات والجهات. إذ حجبت أمس كل الفضائيات السورية الرسمية المتخصصة ببث الأخبار إضافة إلى «الدنيا»، عن القمرين «نايلسات» و«عربسات». وإن كان الحجب على الأخير ليس مستغرباً كونه يأتي ضمن سلسلة أقمار تمتلكها الجامعة العربية. لكن ما لم نتمكن من فهمه هو الخلفية الحقيقية التي ارتكزت عليها إدارة «نايلسات» لخرق تعاقدها مع وزارة الإعلام السورية واتخاذ هذا الإجراء من دون أي خطوة تمهيدية. إذاً أوقف القمر المصري «بثّ القنوات الرسمية السورية تنفيذاً لتوصية الجامعة العربية»، وفق ما قاله مصدر مسؤول لوكالة «فرانس برس». لكن هذه المحطات سرعان ما حجزت ترددات أخرى عبر أقمار بديلة (يوتيلسات - هوتبيرد). وبينما فضّل صلاح حمزة عدم الإجابة على اتصالات «الأخبار» المتكررة هذه المرة، جاء ردّ وزارة الإعلام السورية سريعاً من خلال بيان نشره الموقع الرسمي لـ«هيئة الإذاعة والتلفزيون» أرجع ما حصل إلى «الحملة التي تستهدف سوريا»،. وأدانت الوزارة ما سمّته «الدليل المباشر على انحياز القائمين على إدارة القمر الى جانب المشروع المعادي لسوريا»، وذيِّل البيان بالترددات البديلة التي اتخذتها المحطات السورية.
ورغم أن مصدراً مصرياً مسؤولاً أكّد أنّ قطع القنوات جاء لأسباب تعاقدية، لم يقنع الأمر المتابعين الذين ربطوا الخطوة المفاجئة بكلمة الرئيس محمد مرسي خلال افتتاح مجلس وزراء الخارجية العرب أمس في القاهرة، إذ دعا النظام والرئيس السوريين إلى الرحيل فوراً. إذاً إنّها خطوة جديدة تسقط القرار الفضائي العربي وتكشف وجهه الحقيقي الذي يسعى لتقديم فروض الطاعة والولاء للقرار السياسي المدعوم من الزعيم الإخواني. ورغم ما يعرف من تعاطف رئيس مجلس إدارة «نايلسات» مع الإعلام السوري، إلا أنّ زمن الإخوان له حكاية أخرى قوامها التقييد والحجب والمنع وكم الأفواه.