وصلت الرسالة الإلكترونيّة عند الرابعة و٣٧ دقيقة من بعد ظهر الجمعة إلى عموم موظّفي «الأخبار»، حاملة توقيع رئيس التحرير/ المدير العام. بعض الزملاء تفاجأ بها، وبعضهم الآخر تنفّس الصعداء؛ لأنّه كان يتوقّع الأسوأ بعد تكاثر الشائعات، المغرضة والمحرّفة غالباً، عن أزمة تواجهها «الأخبار» عند هذا المنعطف من تاريخها. في رسالته التي سرعان ما أثارت اهتمام الإعلام، يكاشف إبراهيم الأمين أسرة الجريدة ـــ حسب تقليد نادراً ما نقع عليه في الصحافة العربيّة ـــ بحقائق حيويّة تتعلّق بجريدتهم ومصيرهم، قبل أن يعلن اتّباع إجراءات تهدف إلى استعادة التوازن المالي، ويدعو العاملين إلى بعض الجهود لتمكين مؤسستهم من عبور المرحلة الصعبة التي تجتازها، أسوة بمؤسسات إعلاميّة أخرى.
«تحاول «الاخبار»، منذ انطلاقتها، تقديم تجربة مختلفة (…) كمؤسسة منتجة، وغير خاضعة لسلطة المال السياسي (…)»، كتب إبراهيم في رسالته إلى موظّفي المؤسسة، بادئاً بتوصيف ظروف الجريدة كـ«جزء من هذا السوق الذي يعاني تدهوراً أسبابه كثيرة». قبل أن يصارح زملاءه بالحقيقة العارية: «نمرّ اليوم في المرحلة الانتقالية الأهم منذ التأسيس، نحو تثبيت قدرتنا على الاستمرار وحفظ الاستقرار المهني والوظيفي». وأشار إلى «الواقع الاقتصادي الصعب الذي تمرّ به صناعة الإعلام في لبنان، والتراجع الجدّي في الحصص الإعلانية للصحافة المكتوبة»، لافتاً إلى أن «نسبة النمو لا تزال مطّردة في مجال انتشار الجريدة (…)»، قبل أن يعلن مجموعة تدابير، بينها إلغاء بعض الوظائف، وتفعيل القدرة الإنتاجيّة لبعض الأقسام… إضافة إلى «إشراك الجميع (…) في تحمّل مسؤولية مواجهة الصعوبات القائمة»، ما يعني خفض المرتّبات حسب معايير وظيفيّة وإنتاجيّة. وتترك الرسالة حريّة الاختيار أمام موظّفي «الأخبار» بين الانخراط في البرنامج الإصلاحي أو «المطالبة بحق الخروج من المؤسسة». قبل أن يختتم بأهميّة قيام بيئة «متجانسة (،،،) تحفظ التنوع تحت سقف واحد». والمعروف أن «الأخبار» أدت دوراً في كسر تقاليد بالية بالصحافة اللبنانيّة، ويمكن اختصارها بـ«قانون الصمت» الذي يمنع التعرّض بالنقد لأي وسيلة إعلاميّة «زميلة»، أو نشر أخبار محرجة لها. ومن الطبيعي أن تطبّق هذه القاعدة على نفسها اليوم، وتتعامل بالشفافيّة ذاتها مع قرّائها. هل ينبغي التأكيد أن كل موظفي الجريدة سيشاركون في مجهود مواجهة الأزمة، بنسبة تصاعديّة توازي مداخيلهم؟ هل ينبغي التذكير بأن رئيس التحرير موظّف مثل الآخرين سيخضع للقاعدة نفسها، وأنّّه لا يجني أرباح أخرى؟ محرّر Now Lebanon تبرّع بتشخيص الأزمة التي تواجهها «الأخبار»، بضمير مرتاح وبدقّة نادرة: «افتقاد إيران للكاش»! مهما كان من أمر هذه الأزمة، فعلينا أن نعرف كيف نعيش معها، من دون أن نفقد روحنا. ينبغي أن نعمل على الخروج منها، بمؤازرة القرّاء والشركاء والأصدقاء، وذلك هو التحدّي الكبير.
«التحرير»