عام 1912، ولد جورج شولتي. رحل عام 1997، لكنّ إنجازاته الموسيقية لا تزال حية، تشهد على العصر الذهبي لقيادة الأوركسترا في أوروبا وأميركا والعالم. عصرٌ قد لا يتكرر، كان فيه شولتي لاعباً أساسياً إلى جانب قادة عدة نشطوا في أوروبا أو هاجروا إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث كانت تتأسَّس الأوركسترات وتوكل قيادتها إلى أوروبيّين.
هذه السنة، تصادف المئوية الأولى لولادة قائد الأوركسترا المجري الأصل جورج شولتي. يحتل اسم الرجل موقعاً متقدماً في مجال قيادة الأوركسترا في التاريخ. وإذا حصرنا التصنيف بالنصف الثاني من القرن العشرين (العصر الذهبي)، نجد شولتي بين الأسماء العشرة الأولى بالتأكيد. كذلك، إذا حدَّدنا البحث بالقادة الذين هاجروا إلى أميركا، تُختَصَر المسألة بثلاثة أو أربعة أسماء، هو من بينها، إلى جانب جورج زيل ويوجين أورماندي على سبيل المثال. كلٌ من هؤلاء ارتبط اسمه بأوركسترا أميركية. في حال شولتي، إنّها «أوركسترا شيكاغو» التي صنع منها قائدها واحدة من أهم أوركسترات تلك القارة والعالم. وهنا نشير إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية صنعت مجدها الموسيقي من خلال استغلال مسألتيْن: الهروب من النازية والعداء للشيوعية قبل النازية وبعدها.
بدأ شولتي مسيرته الفنية في بلده والبلدان الأوروبية المجاورة. وكأي يهوديّ، مثّل صعود النازية كابوساً له، فتعثرت مسيرته خلال الحرب العالمية الثانية.
بعد الحرب، عاد إلى العمل بقوة، فقاد وأدار أهم المجموعات الأوركسترالية في أوروبا حتى عام 1962، عندما هاجر إلى أميركا ليبقى أكثر من عقدين على رأس «أوركسترا شيكاغو» التي أنجز معها أبرز تسجيلاته، لكنه ظل على علاقة بالقارة العجوز التي تولى في بعض بلدانها مهمات موسيقية مرموقة، فمُنِح جوائز عدة تقديراً لجهوده، كما نال لقب «Sir» في بريطانيا عام 1972.
ترك «سير جورج» كماً هائلاً من التسجيلات، مستفيداً من المرحلة التي عرفت ثورات في عالم الصوت والتسجيل. له في الأوبرا ترسانة بين فاغنر (تسجيل مرجعي للـ«رينغ») وفيردي وبيتهوفن وموزار (بالأخص تسجيلان لـ «الناي السحري»، أحدهما يُعدّ من الأهم في التاريخ) وغيرها... وفي فئة الأعمال الأوركسترالية، ترك شولتي الكثير أيضاً، من أعمال كلاسيكية ورومنطيقية (موزار وبيتهوفن) وما بعدها (سمفونيات غوستاف مالر) وصولاً إلى القرن العشرين (أعمال أستاذه بارتوك) والأعمال المعاصرة، لكنه كان أيضاً عازف بيانو. وفي هذا المجال، لم يحقق إنجازات تذكر، علماً أن بعض تسجيلاته للبيانو (مع أوركسترا أو ضمن موسيقى الحجرة) جرى التسويق لها على حجة اسمه المرموق في قيادة الأوركسترا.