هو أحد شعراء السبعينيات في سوريا، لكنه لم يواكب التغيّرات التي لحقت بقصيدة السبعينيات نفسها. ظلّ زهير غانم (1949) ـــــ الذي ووري في الثرى منذ يومين في مسقط رأسه بسنادا في اللاذقية ـــــ ميّالاً إلى طبائع التفعيلة. في وقت ذهب فيه معظم مجايليه، ومن جاء بعدهم، إلى قصيدة سردية متخفّفة من البلاغات المعجمية والتهويلات الوجودية، ومحتفية بمشهديات الحياة الواقعية. الشاعر الذي أطلّ بمجموعة «أعود الآن من موتي» (1978)، أظهر صلات قوية بتراث القصيدة الإيقاعية وتجاربها المتعددة، وحاور ـــــ وإن بخفر ـــــ بدايات المنعطف الذي صنعته بواكير عدد من شعراء نهاية السبعينيات في سوريا. تجربة غانم ابنة زمنين شعريين.
لم تنقطع قصيدته عن الغَرف من تجارب الجيل الستيني. بقيت حائرة في البدايات، قبل أن تتواصل بنبرة وحساسية مختلفة عن أقرانه. ولعلّ إقامته الطويلة في بيروت، جعلت المسافة بينه وبين جيله تتّسع. هكذا، راحت قصيدته تتشابه مع نفسها، وتبتعد عن الطرق الجانبية التي سلكتها التجارب اللاحقة. في الحالتين، عاش صاحب «مدائح الأشجار» على الهامش، مكتفياً بحياة قليلة وشاقّة يتقاسمها مع أصدقاء الجريدة والمقهى والحانة. إلى جانب الشعر، كان زهير رساماً وصحافياً مواظباً. أقام معارض عديدة. كتب مئات المتابعات النقدية لمعارض تشكيلية، ولم ينقطع عن مجاراة ما يحدث في حركة الإصدارات الشعرية والروائية.
في ديوانه الأخير «عبير الغيوم»، كتب: «هذا زمن الموت الذي لا موت فيه/ غير موتٍ عابرٍ فينا وفي ليل المدينة (..) كنت ميتاً فاخراً وتلوتُ الفاتحة/ فوق روحي وأرحتُ القدمين/ من مشاويري وتربيعي لهذي الدائرة». كأنّ الشاعر الذي بدأ مسيرته بموتٍ افتراضي، راح يكتب غيابه الحقيقي ببروفات شعرية مبكرة. الموت ـــــ وكذلك الحب ــــ كانا المفردتَين الأكثر حضوراً في دواوينه الأخيرة. في ديوان «مياه المرايا»، قرأنا: «ما الذي أحتاجه حتى أموتَ/ غير حبٍّ لا أراه/ لهفتي فيه/ وأحيا في صداه». وفي مكان آخر، كتب: «أُساكنُ جثتي».
لم يُخفِ زهير غانم مرارته وخيبته اللتين تتناهيان إلى القارئ، وإلينا نحن الذين عرفنا صحبته وحضوره الخافت والموارب. كأن الشاعر الذي «عاد من موته»، أكمل «تربيع الدائرة» وذهب إلى «جهة الشعر» التي جاء منها.



توجّه حانة «جدل بيزنطي» (كاركاس) تحية إلى زهير غانم، وتقيم أمسية بعد غد الخميس تتضمن قراءات من قصائده وعرضاً لبعض لوحاته. للاستعلام: 03/330061