بعد جولة على مهرجانات عربيّة ودوليّة، يصل فيلم «شتي يا دني» إلى الصالات اللبنانيّة قريباً، وهو فيلم بهيج حجيج الجديد المأخوذ عن نص لإيمان حميدان بعنوان «إنها تمطر أكياساً». الموعد المبدئي مع الجمهور اللبناني حُدِّد في 10 شباط (فبراير) المقبل، لكنّ المخرج اللبناني يستدرك:«إذا لم تضطرّنا ظروف البلد إلى التأجيل».
يشارك في البطولة حسان مراد، وجوليا قصّار، وكارمن لبّس، وإيلي متري، وديامان بو عبّود، بمشاركة برناديت حديب في شخصيّة الصحافية الراحلة نايفة نجار... ضمن خط درامي مستقل عن القصّة الأصليّة، لكنها ترتبط بها لجهة الموضوع، أي ملف مفقودي الحرب الأهليّة. فقدت نجّار ولدها، ووجهت رسائل نشرتها جريدة «السفير» عام 1984، ثم انتحرت بعد 9 أشهر على غيابه. يأتي هذا الفيلم بعد ست سنوات على عرض «زنار النار» الذي لم يلقَ حفاوة جماهيريّة ولم ينصفه النقاد، غير أن ظروف هذا الفيلم تبدو أفضل.
ليس موضوع الشريط وأسلوب معالجته واللعبة الإخراجيّة وحدها هي التي أوصلت الشريط إلى الفوز بالجوائز... فاتّكال بهيج حجيج على الممثلين كان كبيراً. يقول: «حين أخابر ممثلاً للدور، أسلّمه 70% من الأداء». لا يؤمن بما يسمّى إدارة الممثل، بل يفضّل استخدام عبارة توجيه الممثل. ومع ذلك، يأخذ على «بعض الممثلين المحترفين عقدة النرجسيّة»، علماً بأنه يبحث عن المحترفين، «لأنني أتفاعل معهم بطريقة أفضل»، يقول المخرج الآتي من المسرح، والذي سبق أن مثّل مع أنطوان ملتقى.
يقارب السينمائي اللبناني موضوعاً سبق أن تطرّق إليه، (كما تطرّق إليه زملاء له مثل جان شمعون في «طيف المدينة»، ٢٠٠٠)، لكنه يفعل هنا بصيغة مغايرة. في أعماله السابقة، طرح قضايا مستمدة من الحرب اللبنانيّة، بما فيها ملفّ المخطوفين والمفقودين. فقد قدّم أفلاماً وثائقيّة عدّة أبرزها «الخط الأخضر» (1987)، و«بيروت، حوار الأنقاض» (1993)، «المخطوفون» الذي حصد جائزة أفضل فيلم وثائقي من حوض المتوسط (1998). بعدها، انطلق في مجال السينما الروائيّة، مشتغلاً على أدب رشيد الضعيف، فكان «زنار النار» عام ٢٠٠٤، وهو أيضاً يدور في رحى الحرب الأهليّة.
منذ اللحظة الأولى لـ«شتّي يا دني»، أسئلة كثيرة يطرحها المشاهد، ولا يجد إجابة عنها في شريط يمتد ساعة و40 دقيقة تقريباً: لماذا اعتقل رامز (حسان مراد)؟ لماذا أفرج عنه وحده من دون بقيّة رفاقه؟ لماذا يتحدث السجانون باللهجة اللبنانيّة؟ هل هو اتهام لإحدى الجهات الحزبيّة؟ كيف وصل إلى منزل زينب (كارمن لبّس)؟
يجيب حجيج: «ليس الخطف موضوعي، بل تداعياته على إنسان غاب عن عائلته عشرين عاماً». ويردف قائلاً: «معروفة هي الجهات التي خطفت، وهذا الملف لم يقفل، وتفاوض الدولة في شأنه، وتبحث عن المعتقلين في سوريا وإسرائيل. أردت أن يتحدث الخاطفون باللهجة اللبنانيّة المحكيّة كي لا أتّهم جهة معيّنة». ويبرّر وصول رامز إلى مدخل منزل زينب بمحض المصادفة، بالقول ضاحكاً «أعطيت لمحة كيف كانت زينب تبحث عن زوجها بين العائدين ثم تقع بالمصادفة على رامز رفيق زوجها في الاعتقال (علي مطر)». ويبرر قائلاً: «كل أفلام ألمودوفار مبنية على المصادفة المحضة». هكذا، ضمّن حجيج فيلمه مشاهد تشرع الباب على أسئلة لا تنتهي، لكن المخرج ينصحنا: «لا تتوقع أن تسمع إجابة عنها»، ويضيف: «تلك هي السينما التي أعرفها».
يشنّ السينمائي هجوماً عنيفاً على «الكليبات التافهة» التي قد تفوق موازناتها ما يخصص لأفلام فنيّة بارزة. ثم يثني على نجوم الفيلم، ولا سيّما حسان مراد، «هو ممثل محترف، وظروفه ساقته إلى قناة «أبو ظبي»، وغيّبته عن الساحة، علماً بأنه عمل في المسرح».
ويتوقف عند جوليا قصار التي أدّت بطولة فيلمه السابق «زنّار النار». يصفها بالممثلة ذات المواصفات الخاصة «وهي تؤدي شخصيّة المرأة الديناميكيّة التي تعيد بناء العائلة مجدداً، بعد عودة زوجها رامز». أما كارمن لبّس، الغنيّة عن التعريف بإسهاماتها في المسرح والسينما والتلفزيون، فتلفت الأنظار بأدائها لشخصية زينب التي حبست نفسها في انتظار عودة زوجها، وهو ما لن يحصل.
ويرى بهيج أن الفيلم يُعدّ تكريماً للمرأة، من خلال أربعة نماذج هنّ نايفة نجار، وماري، وزينب، وناديا. ثم يشير ختاماً إلى أنّه لم يصنع الفيلم «من أجل الجوائز، بل لأنني ببساطة أحب السينما وأتعامل معها بصدق، ويسرّني تقويم لجان محترفة لديها خبرتها ورؤيتها وتقديرها المعنوي والمادي». وكأننا به يردّ على بعض النقاد، أو يستبق ما سيكتب عن عمله عشيّة العروض اللبنانيّة: «الناقد لديه رؤيته التي أحترمها، لكننا هنا لسنا أمام عملية حسابيّة، وليس هناك إجماع في السينما».



بين الكازينو والصحافة!

بعد «شتي يا دني»، يبدو المخرج بهيج حجيج متحمّساً لدخول دوامة الدراما التلفزيونيّة. ولعله إذا تحقّق ذلك، فسيحمل إليها إضافة نوعيّة، لكونه سينقل خبرته السينمائيّة إلى الشاشة الصغيرة. وسيجد الوقت الكافي لتنفيذ بعض الأعمال، إلى جانب تدريسه في معهد الفنون، على اعتبار أن الإنتاجات السينمائيّة لا تدقّ الأبواب كل لحظة. بعد «زنار النار»، اكتفى بتنفيذ فيلمين وثائقيين عن إعادة إعمار جسر الكازينو الذي هدمته إسرائيل في عدوان تموز 2006، ويخبرنا قصة الجسر تاريخياً (32 د)، ثم عن الصحافة (20 د) ضمن معرض «مئة عام من الصحافة في لبنان».