يولّا خليفة تغلّبت أخيراً على مخاوفها وتردّدها، وأصدرت باكورتها «آه». الأرجح أنّ هذا الألبوم لن يكون يتيماً. تجربتها هذه حطّمت حاجزاً نفسيّاً كان يمنعها من تكوين هويّة فنّية. إذا شاهدتم يولا تغنّي وترقص في أحد الكليبات، فلا تتفاجأوا! لم تقدم بعد على هذه الخطوة، لكنّها تسعى إلى تحقيقها. «الأمور مرهونة بأوقاتها»، تقول خليفة كأنّما لتبرّر تأخّرها في إصدار هذه الأسطوانة. تستفيض في الحديث عن رحلتها إلى مقدونيا، حيث أبصر ألبوم «آه» النور بعد مخاض عسير. «الزيارة اكتست طابعاً روحانيّاً، ما انعكس على المادّة الموسيقية التي تحويها الأسطوانة».
وتضيف: «عازف الإيقاعات ألكسندر بِتروف عرّفني إلى مجموعة من الموسيقيين المقدونيين، فتعاونتُ معهم، واطّلعتُ على الأنماط الغنائية والموسيقية المقدونية». افتتانها بالألحان المقدونية التي تحمل نفَساً شرقيّاً وغربيّاً في آن، وطابعاً غجريّاً وريفيّاً، حضّها على المزج بين الموسيقى الشرقية من جهة، و«الموسيقى المقدونية التي لا تزال تحافظ على خصوصيّتها في زمن العولمة» من جهة أخرى.
يشتمل ألبوم يولا خليفة على 12 محطّة موسيقية وغنائية، ويمكن تقسيمه إلى خسمة أقسام، تبعاً لتيماته المتأرجحة بين الشجن والحبّ والأمومة والوحدة والفرح. تسترجع الفنانة اللبنانيّة مراحل من حياتها، وأمكنتها الأولى في جزّين التي خصّتها بتوليفة تحمل عنوان «صنوبر جزّين»، وتضمّ «أبو الزلف»، و«على الماني»، و«الدلعونا» (من الفولكلور اللبناني)، و«ميّل يا غزيّل»... الإيقاع الراقص يطغى على القسم الأخير من «آه»، وقد ختمته يولا بأغنية قصيرة تحمل اسمها (من ألحان ألكسندر بِتروف).
العفوية والطزاجة تميّزان هذه التجربة، فيما يفقدها التنفيذ التقني غير المتقن بعضاً من ألقها، رغم أنّ صوت يولا يبدو شجيّاً في «يمّا مويل الهوا»، ونديّاً في «حبيبي يا ولداه» (مقتطفة من ترتيلة «قامت مريم»)، فإنّه ينحرف قليلاً في «قُلْ هو الحبّ» (من ألحان مارسيل خليفة، وشعر قاسم حدّاد)، و«أحبّ الليل» (من كلمات محمّد السويدي، وألحان مارسيل)، و«آه يا زين»... لا تنحرف يولا كلّيّاً عن السكّة النغمية للأغاني، لكنّ نبرتها تنخفض وترتجّ أحياناً. ومع ذلك، فخامتها الرقيقة وحساسيّتها الموسيقية تعوّضان عن نقاط ضعف تشوب الأسطوانة. التقاسيم الارتجالية المدروسة تزوّق الألبوم، فيما يمنح التوزيع الجديد رونقاً خاصاً لأغنيات مختارة من ريبرتوار رفيق دربها مارسيل خليفة («لأصلّي له» من أسطوانة «تصبحون على وطن»، و«نامي يا زغيرة»...).
يتجاور التراث اللبناني والعربي والترنيم الكنسيّ والحداء والموسيقى العربية التقليدية والمعاصرة والمصرية والخليجية والمقدونية لتشكيل فسيفساء غنائية تتوشّى بالشعر الشعبي، والحديث، والعمودي، والنبطي... الفرقة المقدونية التي تضمّ القانون، والكمان، والفيولا، والأكورديون، والكلارينيت، والترومبيت، والترومبون، والطبلة... اجتهدت لتأدية السلالم المقامية الحاوية ثلاثة أرباع الصوت (الهزام، والبياتي، والراست...). لكن لم يحافَظ على ثبات ربع الصوت خلال التسجيل، ما أدّى إلى تفاوت نغميّ بين دوزان الفرقة وأداء يولا خليفة.
بعدما أدّت الميتزو سوبرانو مع مارسيل دويتو «تعاليم حورية» (شعر محمود درويش)، وشاركت غناءً في فيلم «هيه... لا تنسي الكمّون» (للمخرجة السورية هالة العبد الله ــــ 2008)، استعادت ثقتها بحنجرتها، علماً بأنّها لا تدّعي «إمكانات صوتية خارقة». وها هي اليوم تسبح في فضاء جديد غير مكترثة لاحتمال الغرق. كأنّها عرفت مسبقاً أنّها ستُسأل عن سبب عودتها إلى الموسيقى، وإفلاتها من سطوة مارسيل و«فرقة الميادين»، فكتبت على غلاف الألبوم: «الغناء، تلقّفتُه باكراً مذ كنت صغيرة. في هذا الألبوم أستعيد نضارة الطفولة. أغنّي لذاتي. نداءٌ إلى الحياة (...) بقلب بكر، ومع حماسة اللحظة الحاضرة».