الكتابة عن السجن ليست جديدة، وخصوصاً في عالمنا العربي الذي تتحوّل فيه المدارس إلى سجون إذا تطلب الأمر، كما يحدث اليوم في أكثر من بلد عربي يطالب بحريته. في «أحلم بزنزانة من كرز» (دار الساقي) الذي يحمل توقيع الأسيرة المحررة سهى بشارة، والصحافية ورفيقة بشارة في الأسر كوزيت إبراهيم، نقرأ شيئاً مختلفاًَ. الأسيرة أمضت في معتقل الخيام عقداً كاملاً، بعد تنفيذها عمليّة اغتيال فاشلة لقائد جيش لبنان الجنوبي العميل أنطوان لحد عام 1988. على مدى 22 عاماً من التعذيب والتنكيل، شهد معتقل الخيام عذابات كثيرة، وتحول إلى رمز للاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. اعتقل فيه الآلاف في ظروف شديدة القسوة، وفي الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، قصفته الطائرات الحربيّة الإسرائيلية، ما أدى إلى تدميره تدميراً شبه كامل.حاولت بشارة أن تبقى هادئة أثناء تدوين هذه المذكرات، لكنها كانت بين جملة وأخرى تهوي في قاع الذكرى، وشرخ الجرح الذي لا يمكن أن يُمحى. في هذه المذكرات بتفاصيلها الصغيرة المذهلة، تظل مخلصة لفكرتها الأصلية بالحديث عن رفاقها المعتقلين من خلال تجربتها الشخصية. هناك أشياء صغيرة تافهة تتحول في السجن إلى أمل للسجين. تتحدّث الكاتبة عن شيء عظيم استطاعت أن تحصل عليه. لقد صنعت «إبرة»، من خلالها ستصنع معجزات صغيرة، مثل حياكة جورب تقضي به الشتاء.
عندما يريد السجّانون معاقبة السجين، يرسلونه إلى الزنزانة الانفرادية «رقم 7». هناك لا يستطيع النوم، ولا تحريك أي عضو من جسمه. وبعد نهاية فترة العقاب تلك، يتحول إلى «حيوان» عديم الأهمية. لكن الإصرار يسترجع الإنسان من القوة التي تريد تحويله إلى هباء. كثير من نزلاء هذا المعتقل استشهدوا بسبب مواقفهم من الاحتلال: منهم من عُذِّب حتى الموت لرفضه التعاون مع الاحتلال، ومنهم من مات قهراً بعد اعتقال أقاربه أو أصدقائه عقاباً له.
لا يستطيع المعتقل أن يحتفظ بأي شيء في زنزانته، سوى جسده المحطم. وإذا عثر الجنود الإسرائيليون على نواة زيتونة، فإنهم سيضعون الكيس الأسود في رأس الأسير، والكلبجة في يديه ويرمونه في الزنزانة «رقم 7».
في «أحلم بزنزانة من كرز»، تنقل بشارة قصصاً عن مكان تحوّل اليوم إلى ركام. إنّها «قصّة معتقل الخيام وقصّة كل من مرّ به ليلة، فراح وهو يحملق في الجدار، يتعلّم الغناء...».