القاهرة | معروف أن التاريخ يكتبه المنتصرون، أما في جريدة «روز اليوسف» فالتاريخ «يحذفه» المنتصرون. أقلّه هذا ما أوحى به رئيس تحرير الصحيفة السابق عبد الله كمال عندما أعلن على صفحته على فايسبوك، أن «المؤسسة» حذفت مقالاته من موقعَي الجريدة والمجلة. ورغم تأكيده أن «التاريخ لا تمحوه عمليات الإزالة من االإنترنت»، أبدى غضبه وحزنه من ضياع أرشيفه على الموقع الذي أسسه بنفسه، وهو الذي أعاد الجريدة اليومية إلى الصدور بعد توقف عشرات السنين.ليس كمال ملاكاً. الرجل الذي كان عضواً قيادياً في «الحزب الوطني» المنحلّ، كان أحد أقرب الصحافيين إلى قمة النظام المخلوع، وأشدهم انتقاداً بل هجوماً سافراً على المعارضة بكل أطيافها ورموزها. ورغم أن الجريدة اليومية لم تكن ـــــ مهنياً ـــــ سيئة، فقد جعلها موقفها المنحاز إلى السلطة برئاسة تحرير عبد الله كمال وإدارة كرم جبر، في ذيل الصحف اليومية من حيث التوزيع، إذ لم يتجاوز توزيعها لسنوات طويلة عتبة الألفي نسخة فقط. وهو رقم لا يرى بالعين المجردة في السوق المصرية. ورغم ندرة التوزيع، فإن مواقفها المنحازة نفسها، ضمنت لها الاستمرار بفضل الإعلانات التي كانت تغرقها لأسباب لا علاقة لها بالصحافة. ونتيجة لذلك تمكّنت من إصدار ملاحق ضخمة من حين لآخر، لا تتحمل تكلفتها صحف أخرى توزع عشرات بل مئات أضعاف توزيع «روز اليوسف».
أطاحت الثورة كمال وجاءت بإبراهيم خليل رئيساً للتحرير. وحاول هذا الأخير منذ اللحظة الأولى قطع علاقة الجريدة بتاريخها السابق. لكن ـــــ طبقاً لشكوى كمال ـــــ كان هذا القطع من الحدة بحيث لجأت الجريدة إلى حذف مقالات رئيس تحريرها السابق من أرشيف الموقع الإلكتروني للمجلة والجريدة. قرار لو صح، يمثل كارثة مهنية بغض النظر عن محتوى تلك المقالات وتوجهاتها. لكن خليل نفى في تصريحات لبوابة «الوفد» الإلكترونية حذف المؤسسة أي مقالات، مرجعاً شكوى كمال إلى «أعطال فنية» في الموقع، ومتسائلاً عن «جدوى حذف تلك المقالات». وعاد ليؤكد «حصول المؤسسة على عرض من إحدى الشركات لرعاية الموقع الإلكتروني وتطويره، وسيظهر بثوب جديد خلال الفترة المقبلة».
بين رئيسَي التحرير السابق والحالي، ضاعت الحقيقة أو كادت، لكن المؤكد أن معظم مقالات عبد الله كمال عادت إلى الظهور على الموقع. وهو الأمر الذي رحب به الرجل موضحاً أن ذلك بمثابة «عودة الزملاء عن غيهم»(!)، ولو قال إن بعض ما كتبه بقي مفقوداً. قضية رأى فيها البعض مجرد محاولة من رئيس التحرير المخلوع للفت الانتباه، ورأى فيها آخرون جريمة مهنية لو صح ادعاء كمال. هذا الأخير الذي لم يترك لـ«روز اليوسف» مقالاته فحسب، بل ترك صداعاً آخر في رأس رئيس التحرير الجديد، يتمثل في عشرات المحررين الذين كانوا قد وُعدوا بالتعيين في المؤسسة ولم يُستجب طلبهم. وقد أعلن هؤلاء اعتصاماً في مقر المؤسسة. وأعربوا عن نيتهم بدء إضراب مفتوح عن الطعام لتنفيذ مطالبهم، معتبرين أن رئيس التحرير الجديد يماطل في تنفيذ مطالبهم وفي تفعيل قرار مجلس الإدارة بتعيينهم. وبلغ الأمر ببعضهم حد اتهام خليل بالمساس بأمن مصر القومي، بحجة نشره تقارير مترجمة عن الصحافة الإسرائيلية!
لا شك في أن أرشيف «روز اليوسف» باق ومتاح للجميع، لكن مشاكل الجريدة ـــــ وسائر الصحف القومية ـــــ أعقد بكثير من مقالات عبد الله كمال.