بغداد | تحت وطأة القلق الذي يلازم الحياة العراقيّة، تراجع دور المقهى التقليديّ بنحو ملحوظ. من جهة، أدّى الغزو إلى اختفاء بعض تلك الأماكن التي كانت ملتقى المثقّفين، مثل «البرازيلية» و«البرلمان» و«شط العرب» و«خليل» و«الآداب». كذلك تهالك بنيان بعضها الآخر، إلى درجة أنّ الجلوس فيها لساعة واحدة صار صعباً، مثل «مقهى حسن عجمي» في شارع الرشيد في بغداد. الأوضاع الأمنية ألزمت الكثير من المثقفين بيوتهم بحلول المساء، فضلاً عن هجرة أعداد من الأدباء والكتّاب. حتّى المقاهي التي أخذت تزدحم بمجموعات من المثقفين والفنّانين أحياناً، وجدت زوارها ينكفئون بعد حين، بسبب مخبري السلطة الذين يلوّثون المكان. لكن، سرعان ما جاء الفايسبوك ليحلّ المشكلة، في ظلّ اضمحلال المقاهي، كجزء من خراب المكان البغداديّ خصوصاً، والعراقيّ عموماً. لقد استقطب عدداً لا بأس به من المثقّفين الذين هجروا المقاهي، وطلبوا اللجوء في الفضاء الافتراضي. هنا، يعرض التشكيلي الشهير لوحته، وهناك يكتب الباحث عن حملة مدنيّة ينظّمها الآن، ويستذكر مثقفون صديقهم الشاعر وكيف رحل، ويحتفي صحافيّ بمقال أحد زملائه. الكاتب والإعلاميّ أحمد المظفر دعا على صفحته إلى مشاهدة الفيلم التسجيليّ «سفير في مقهى» الذي عرضته «الجزيرة»، قبل فترة، عن «أبو حالوب» العراقيّ «الذي يجلس على كرسيّه في مقهى «الروضة» في دمشق منذ أكثر من ربع قرن». الصحافيّ علي السومري ينشر رابطاً لمقال زميله الكاتب شمخي جبر في جريدة «الصباح»، وفيه يتناول «المثقّف الغندور».في «مقهى فايسبوك» أيضاً، صورتان للشاعر الراحل محمد درويش علي، واحدة قبل مرضه والثانية بعده، كتب عليهما: أين حكومتنا؟ تحوّلت هذه الإشارة الفوتوغرافيّة ــ بمبادرة من محبيه الذين يديرون صفحته على فايسبوك ـــــ إلى محطّة لإدانة تقاعس المؤسّسات الرسميّة في البلاد. يوفّر المقهى الإلكترونيّ منبراً للنقاش، ونشر الآراء في القضايا السياسية والمطلبيّة كلها. حتى إنه يوفّر فرصة التواصل بين مثقفي الداخل ومثقفي الشتات في فضاء عام واحد... بين الفنانين المحترفين الذين يعرضون أعمالهم هنا، نشير إلى ستار كاووش وهو من أشهر فنّاني العراق المقيمين في هولندا، يعرض عملاً جديداً له بعنوان «القبلة الزرقاء». من جهة ثانية، يجهد الباحث والأكاديمي العراقي حيدر سعيد، هذه الأيام، في تفعيل حملة «لا لتنفيذ العقاب في الأماكن العامة» التي تعارض إعدام مرتكبي جريمة عرس الدجيل (2006) في المكان الذي ارتُكبت فيه.
وقد تحوّل فايسبوك أيضاً إلى فضاء لنقاش دور المثقف في هذه اللحظة المفصليّة من تاريخ العراق، إذ نشر الروائي أحمد سعداوي على صفحته رابطاً لتحميل كتاب جيرار لوكلير «سوسيولوجيا المثقفين».