«الشارع لنا» ـــ أنشودة صلاح جاهين الشهيرة ـــ أصبحت حقيقة ملموسة بعد الثورة. انتفاضة الشعب المصري أحدثت تغييراً نوعياً من خلال نقل الثقافة من القاعات المكيّفة المعزولة عن الجمهور، إلى رجل الشارع العادي. في السبت الأول من كلّ شهر، تحتضن ميادين المحافظات في مختلف المناطق المصرية تظاهرة «الفن ميدان». في القاهرة على سبيل المثال، يفتح ميدان عابدين أمام القصر الجمهوري أبوابه لجمهور متنوّع من أطفال وشباب وشيوخ. قبل الثورة، كان مجرّد المرور في هذا المكان محفوفاً بالمخاطر، أمّا الآن، فتعلو الموسيقى ليهتف الجمهور: «قولوا للحاكم جوّا القصر... إنتو عصابة بتحكم مصر».
يشرف على «الفن ميدان» أكثر من 70 مؤسسة وجمعية أهلية، تشكّلت تحت اسم «ائتلاف الثقافة المستقلة». ويعتمد في تمويله على تبرّعات عدد من الأفراد المهتمين بالثقافة. من جهتها، لم تقدّم وزارة الثقافة أي تبرّعات للملتقى، بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها بعد فصل الآثار عنها. لهذا، تقوم الوزارة بتقديم بعض الدعم العيني مثل الأجنحة والمسارح. في الدورة الأخيرة للمهرجان، كانت أغنيات فرقة «وسط البلد» الشهيرة الأبرز. لكنَّ ذلك لم يمنع فناناً مثل محمد عبلة من الجلوس في فراشه لرسم وجوه المشاركين... نحن أمام ورشة حقيقية للفن والنقاش، يرغب منظّموها في أن تتحول إلى حدث أسبوعي، إذا توافر التمويل اللازم.
على الجانب الآخر، أقامت هيئة الكتاب لأوّل مرة معرضاً للكتاب في شارع فيصل. وهذا الشارع هو من أكبر شوارع مصر، وأكثرها عشوائية، ورغم ذلك، لا تتوافر فيه مكتبة واحدة. استغلت الهيئة قطعة أرض «خراب»، كانت مخصصة لإنشاء مطابع، وحولتها إلى معرض يستمرّ حتى 25 آب (أغسطس). واستجاب لفكرة المعرض الرمضاني 85 ناشراً، منهم 11 ناشراً عربياً. وسيكون المعرض مصحوباً بندوات وحفلات موسيقية تستمرّ إلى ما بعد منتصف الليل.
الوجبة الثقافية على هذه المائدة الرمضانية تتنوع بين ثلاثة محاور: اللقاءات الفكرية، والأمسيات الشعرية، والأدب والفن. وتتوزع مواضيع النقاش بين البحث في الرؤيات الثقافية داخل برامج الأحزاب السياسية، ودراسة علاقة مواقع التواصل الإلكترونية بالثورة، إضافةً إلى طرح موضوع مستقبل الكتاب.
رئيس هيئة الكتاب أحمد مجاهد رأى في المعرض فرصةً لإنقاذ الكتاب المصري من الركود، خصوصاً بعد تأجيل الدورة الأخيرة من «معرض القاهرة الدولي للكتاب». المؤشرات الأولى للمعرض تؤكد نجاحه، مع ارتفاع نسبة المبيعات، وإقبال جمهور فيصل ومحيطه على برنامج الندوات. قد يكون هذا المعرض بدايةً لنقاش حقيقي حول مستقبل مصر في الشارع، وليس في برامج «التوك شو».