القاهرة | قبل «ثورة 25 يناير»، كانت جماعة «الإخوان المسلمين» الكيان السياسي شبه الوحيد المحظور في مصر. وبالتالي، لم يكن من حق الجماعة إطلاق أي قناة تلفزيوينة أو إصدار مطبوعات ناطقة باسمها. هكذا لجأ هؤلاء إلى الإنترنت فقط لا غير بسبب غياب الرقابة المسبقة على المواد والمواقع المنتشرة على الشبكة العنكبوتية. أما السلفيون فكان وضعهم مختلفاً. انتشرت فضائيتهم بكثرة من دون أي احتجاج من النظام، بسبب ابتعادهم عن الكلام السياسي، واكتفائهم بالمواضيع الدينية. لكن في تشرين الأول (أكتوبر) الأخير، قرر النظام المخلوع إقفال كل هذه القنوات في انتظار انتهاء الانتخابات البرلمانية
(المزوّرة) بهدوء، لتعود هذه الفضائيات إلى البث مع اندلاع الثورة. إذاً قامت «ثورة 25 يناير» وبات كل شيء مباحاً في الإعلام، وسقطت لائحة الممنوعات التي رفعها طويلاً نظام حسني مبارك. ولا شكّ في أن نجوم الشاشة في عهد ما بعد مبارك، كانوا «الإخوان المسلمين»، فأطلوا على مختلف القنوات، وعبروا عن موقفهم السياسي، وعن «الاضطهاد» الذي تعرضوا له في العهد البائد. لكن رغم ذلك، لم يتمكّن هؤلاء من امتلاك فضائية مصرية ناطقة باسمهم، ترسّخ مبادئهم وأفكارهم، وخصوصاً بعد الإعلان عن إطلاق «حزب الحرية والعدالة» وهو الذراع السياسية للجماعة التي تأسست عام 1928.
هكذا، أطلقت قناة «مصر 25» في نيسان (أبريل) الماضي ضمن بث تجريبي. وقيل وقتها إنّ البث الحقيقي سينطلق في شهر حزيران (يونيو) الماضي، لكنّ ذلك لم يحصل، ولا تزال القناة في فترة بثّها التجريبي. ويقول رئيس القناة حازم غراب إن البث المتوقّع للفضائية لن ينطلق «قبل حملة تسويقية تناسب المضمون الذي ستقدّمه القناة للشعب المصري». وهو المضمون الذي باتت ملامحه واضحة من خلال البرامج التي عُرضت بعض حلقاتها خلال فترة البثّ التجريبي، التي بدأت في شهر رمضان ولا تزال مستمرّة حتى الآن.
ويؤكّد غراب أن الاستراتيجية الأهم بالنسبة إلى المحطة «الإخوانية» هي انفتاحها على كل التيارات السياسية، رغم أنها مملوكة من قبل الجماعة. ولتأكيد فكرته، يستشهد ببرنامج «عنبر الرأي» الذي يتناول قضايا معتقلي الرأي في عهد مبارك وقبله. وقد استقبل هذا المنبر بعض رموز الحركة اليسارية مثل الكاتب صلاح عيسى، والناقدة فتحية العسال. وفي برنامج «سحور 25» الذي قدّم يومياً خلال رمضان «كانت كل التيارات حاضرة»، مؤكداً أن برنامج «سباق الديموقراطية» الذي يجري الإعداد له حالياً لينقل مجريات الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها الشهر المقبل، سيعتمد على القاعدة نفسها. ويضيف إن القناة تحاول تطبيق مفهوم «الإعلام القومي الموجه للشعب الذي لا يعبّر عن طائفة بعينها»، مشيراً إلى أن نظام الملكية الذي قام على أساسه المشروع يضمن ذلك وهو مشاركة عدد كبير من أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» في تمويل «الشركة العالمية للإنتاج الإعلامي» التي تملك القناة. وبالتالي، يقول غراب إن «مصر 25» لن تكون خاضعةً لقرار أي قيادي في الجماعة، بمن فيهم المرشد العام محمد بديع. وعن وجود دعاة إسلاميين على الشاشة الوليدة، يقول غراب الذي عمل لسنوات طويلة في قناة «الجزيرة» إن المحطة ليست دينية كي تستعين بدعاة، بل فضائية، قناة عامة تهتم بكل المواضيع التي تشغل الشارع المصري بعد الثورة. وانطلاقاً من كل ما سبق، يشير إلى أنّ المحطة اعتمدت على مجموعة من الإعلاميين الشباب والوجوه التي لم تأخذ حقها في الانتشار الإعلامي مثل الشاعر الشعبي أمين الديب «من دون التفكير باللجوء إلى وجوه مشهورة من أجل جذب المشاهدين». أما عن العنصر النسائي، فيقول غراب إنه موجود «وهناك مذيعات يظهرن بالفعل في بعض الحلقات، وقريباً ستكون هناك برامج تقدّمها مذيعات شابات». وكان بعض أعضاء «الإخوان المسلمين» قد شنّوا حملة على «مصر 25» عند انطلاق بثها التجريبي بسبب استخدامها المقدمات الموسيقية لبرامجها، كما ظهرت على شاشتها نساء غير ملتزمات بالحجاب الشرعي. لكن يبدو أن هذه الحملة لم تؤثّر على المشرفين على المحطة... حتى الساعة. مع ذلك، ينفي غراب التفكير في عرض مسلسلات ومواد درامية دينية أو تاريخية في المرحلة الحالية. أما الأفلام الوثائقية المصرية التي تحتكرها شبكة قنوات «الجزيرة»، فقال إنه يتمنّى «توافر الميزانية اللازمة لشراء وتمويل مثل هذه الأفلام التي لا تلقى اهتماماً في القنوات المصرية، على رغم أهميتها». يذكر أن القناة تعرض حالياً حلقات من برامج عدة، من بينها «علّمتني الثورة»، و«إسلاميون»، و«أحلام مصرية»، على أن تعلن خريطتها الكاملة فور انطلاقها.



مشاريع في الأفق؟

في وقت يتردّد فيه أن جماعة «الإخوان المسلمين» تسعى إلى توسيع نشاطها الإعلامي في مصر، مدعومةً من فروعها المنتشرة في العالم العربي، إلا أن الواقع على الأرض يبدو مختلفاً. تنتظر الجماعة تبلور الصورة النهائية لقناة «مصر 25» (برئاسة حازم غراب) ورصد ردّة فعل المصريين قبل القيام بأي خطوة إضافية. لكن بعضهم يرى أنّ «الإخوان» لن يتأخروا في إطلاق صحيفتهم الخاصة، رغم أنهم أنشأوا حزباً رسمياً هو «الحرية والعدالة»، وبالتالي بات من حقهم الحصول على مطبوعة. أما على جبهة الإعلام الإذاعي، فإن القانون المصري لا يسمح حتى الساعة بإطلاق إذاعات خاصة.