رام الله | بعدما عثرت الشرطة الفلسطينية مساء السبت على جثة فرانسوا أبو سالم (1951) في منطقة الطيرة القريبة من رام الله، قال صديق الراحل المسرحي جورج إبراهيم لـ«الأخبار» إنّ «أبو سالم كان يعيش حالة من الاكتئاب، وكان يكثر التنقل بين باريس ورام الله. وقبل يومين، عاد من فرنسا بالحال نفسها التي عبّر عنها لبعض المحيطين به». ونفى إبراهيم أن تكون هناك أزمات محددة كان الراحل يمرّ بها، مكتفياً بالقول «إنّها خسارة كبيرة للفلسطينيين ومسرحهم».
وكانت مصادر صحافية محلية قد أوردت أنّ أبو سالم «كان يتحدث مع باولا فونفيك عبر «سكايب»، وأخبرها فجأة أنه سيلقي نفسه من أعلى العمارة ويقتل نفسه، ثم ترك الحاسوب مفتوحاً وذهب». وبعد ساعتين، اكتشف أحد عمال البناء الجثة وأبلغ الشرطة التي باشرت التحقيق في الحادث، مرجّحةً فرضية الانتحار. وستحدّد مراسم الجنازة والدفن بعد وصول عائلته من فرنسا، خصوصاً أنّه ترك رسالة وداع باللغة الفرنسية على جهاز حاسوبه كتب فيها عن مراسم الدفن التي يريدها له، وفقاً لحديث أحد أصدقائه.

آخر أعمال الراحل كانت مسرحية «في ظل الشهيد» (تأليف أبو سالم وباولا فونفيك، ومن إخراج أبو سالم وتمثيله) التي عرضها في القدس ورام الله وبيروت. تلك المسرحية كانت تجربة مغايرة، أو كناية عن مجموعة تجارب. وبدا أبو سالم كأنّه يسير على تخوم علم الأعصاب، والطب النفسي، والإيديولوجيا، والنقد السياسي... كلّ ذلك في مونودراما تستمر ساعتين داخل حجرة مستشفى. يومها، تحدّث أبو سالم لـ«الأخبار» (عدد 31 أيار/ مايو 2011) طويلاً عن العمل. حالة الإحباط التي عاشها في باريس قبل عشر سنوات قادت الستيني إلى دراسة تقسيم الدماغ، وعلاقة كل منطقة بنوعيّة السلوك البشري. رأى أبو سالم أنّ ما يكشفه جهاز الرنين المغناطيسي من تغيّرات في الدماغ لحظة اتخاذ القرارات، يغري بعمل مسرحي. هكذا، بدأ البحث عن حكاية تحوّل هذا العلم إلى مسرحية، فكانت «في ظلّ الشهيد».
في المسرحية بدا النص مركّباً، حيث مزجت اللغة العلمية بالحوار والهذيان برمزية مكثّفة، تتقاطع مع الواقع. الانتقال من «عقل القطيع» إلى «العقل المبدع» يحمل ـــ بحسب البوّاب/ الطبيب (أبو سالم) في المسرحية ـــ رفضاً للعلاقات القائمة على القوّة والقهر والتمييز والاضطهاد، وخروجاً من التبعيّة العمياء للزعيم أو الجماعة.
يحمل العمل رؤية تشكلت على مدار أكثر من 40 عاماً هي مجمل مشوار أبو سالم المسرحي. ويظل تساؤل المسرحية الأبرز يتردد على لسان البوّاب الطبيب الذي فجّر شقيقه نفسه في حافلة في مدينة ناتانيا داخل الأراضي المحتلة عام 1948: «أي دماغ يستخدمه الاستشهادي حين يقرر تفجير نفسه؟».