دخلنا بناية «بركات» في منطقة السوديكو المحظر دخولها منذ سنوات، لنشاهد عرض «ملجأ آمن تماماً» A Perfectly safe Hide-Out الذي قدّمته فرقة نروجية ضمن «مهرجان بيروت لعروض الشارع ـــــ2011». تقترب من أحد الممرات لتتلمس دهاليز الموقع وأسراره، فتصطدم بعنصر أمن من شركة خاصة، يمنعك من الاقتراب أكثر. مملكة الأمن تمنعك من التوغل (في التاريخ) لحمايتك الشخصية. بعد بضعة إرشادات أمنية للحفاظ على سلامة المشاهدين، انطلق العرض.
المؤدون الأربعة يركضون بين ممرات الطبقات العليا من المبنى، يطلون علينا من الشبابيك والبلاكين. أجسادهم تتراقص على أنغام الترومبيت ونحن محبوسون في الباحة... إلى أن تقودنا إحدى الراقصات إلى الطابق الأول. في زاوية الممر، امرأة جالسة في زاوية حمام، وأمامها عرض لشرائح صور قديمة. إلى اليمين، وعبر كوة صغيرة، يمكننا مشاهدة شخصين يتصارعان في الغرفة المقابلة، لكن لمدة محدودة فقط، إذ قرر رجل الأمن المرافق لنا أن نستعجل النظر «حرصاً على أمننا». ثم دخلنا غرفة أوسع مطلة على الشارع العام، خط التماس سابقاً. هناك أيقنّا أنّ غرفة المصارعة لم تكن إلا مساحة عزلها القناصون سابقاً بسواتر رملية، وأحدثوا فجوات في جدرانها لتمركز بارودتهم. في المساحات الأخرى، يتابع الراقصون تأدية كوريغرافية، يتلمسون فيها آثار الرصاص في الجدران، يملأون بأجسادهم الفراغات التي سببها القصف في المساحة، ويتمرّغون برمل الأرض.
في إحدى الغرف المجاورة، تجهيز فني يظهر نولاً لحياكة السجاد. قد يكون هذا الأخير إشارة دلالية «إلى تضميد جراح الحرب عبر النسيج»، كما يوضح أحد القيمين على المشروع. بعدها، ننتقل مع الراقصين إلى فضاءات المبنى الأخرى. هنا يجتمع كل اثنين من المؤدين، ويحاولون أن يرقصوا فالساً من دون أن ينجحوا. يرتطم بعضهم ببعض وبالحائط، يقعون ثم يقفون ليعاودوا المحاولة وصولاً إلى نهاية العرض.
تظهر جلياً ركاكة المعالجة، إذ يبقى مبنى «بركات» بهندسته وتاريخه أقوى من المادة المقدمة في العرض. قد يكون لاختلاف الثقافة مع النروجيين دور كبير في عجز المجموعة عن محاكاة سيميولوجية فضاء العرض. ولعل وجود شركة الأمن الخاصة خلال العرض يمثل العنصر الأنجح، الذي خلق تفاعلاً مضاداً مع المبنى، عبر منع المشاهدين من التفاعل معه. الأمن الذي يعلم مدى خطورة عودة المشاهد إلى قراءة ماضيه، جابه الجمهور بمنعه من البحث عن آثار الماضي، بل الالتهاء بعرض راقص فوق أضرحة الموت.