أيام قليلة تفصل رئيس تحرير مجلّة «الآداب» سماح إدريس و«حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» و«مركز حقوق اللاجئين عائدون»، و«الحملة العالمية لمقاطعة اسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها» BDS، عن تحديد موعد للجلسة الأولى في الدعوى التي رفعها عليهم رجل الأعمال اللبناني جهاد المرّ. عطلة عيد الأضحى أخّرت الإجراءات القضائية الروتينيّة، لكنّها لم تنزع عن القضيّة طابعها الساخن.
بثّ المرّ من حيث لا يدري روحاً جديدة في أوساط حملات المقاطعة في لبنان، بعدما خرجت المعركة القضائية عن طابعها المحلّي، لتطاول نشطاء عالميين أعربوا عن استعدادهم للمثول أمام القضاء اللبناني دعماً لرفاقهم. «نقلت الدعوى حملات المقاطعة إلى داخل قوس المحكمة، وأعطتها منبراً، وهذا أكبر انتصار للناشطين»، يقول المحامي نزار صاغيّة الذي سيتولّى الدفاع عن سماح إدريس والناشطة رانيا المصري، و«عائدون».
في صفوف الناشطين، أصبحت الذريعة الأساسيّة للدعوى أمراً ثانوياً. لم يعد اهتمام هؤلاء ينحصر باحتمال تغريمهم مبلغ 180 ألف دولار تعويضاً عن الخسائر التي خلّفتها حملتهم التي دعت إلى مقاطعة حفلة فرقة «بلاسيبو» في «فوروم دو بيروت» في 9 حزيران (يونيو) 2010، بعد غنائها في تل أبيب. بالنسبة إلى المدّعى عليهم، تطاول هذه المعركة قضيّة أعمق وأشمل هي حريّة التعبير في لبنان. «بعد تجاهل حملات المقاطعة لسنوات، جاء الآن من يحاول تجريمها أمام القضاء»، يقول سماح إدريس مضيفاً: «المقاطعة جزء لا يتجزأ من الديموقراطيات الغربيّة، حين يقف ناشطون أمام مسرح لدعوة الحضور إلى عدم المشاركة في فيلم معادٍ للساميّة مثلاً. ونحن لنا كل الحقّ بأن نقوم بدعاية مضادّة. هذا جزء من اللعبة الديموقراطيّة التي يكفلها الدستور». في هذا الإطار، شكّل الناشطون لجنة للتواصل مع النوّاب والوزراء لجمع تواقيعهم على عريضة داعمة. كذلك شكّلوا لجنة لرصد برنامج المهرجانات والحفلات للضغط باتجاه عدم استضافة لبنان لفنّانين غنّوا على خشبات إسرائيلية سابقاً. وستشمل حملتهم حفلة للـDJ الهولندي آرمن فان بورن الذي قدّم حفلةً في إيلات الصيف الماضي، وسيقدّم أخرى في مجمّع «بيال» بدعوة من «ميكس أف أم»، ليلة 30 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وعلى خطٍّ موازٍ، يبحث بعض الناشطين في رفع دعوى مضادة على المرّ للمطالبة بعطل وضرر نتيجة تعسّف بالادعاء.
بعيداً عن هذا الحراك، يصرّ جهاد المرّ على الفصل بين دعواه القضائيّة ومسألة حريّة التعبير في لبنان. «حريّة التعبير لا تعني أنّه يحقّ لك التعدّي على حقوق الآخرين»، يقول في اتصال مع «الأخبار»، «ولا تعني حريّة التعبير ترهيب الأولاد كي لا يذهبوا إلى حفلة»، يقول ويواصل شرح نظريّته في حريّة التعبير: «يمكنك ألّا تشتري جينز «ليفايس»، فأنت حرّ، لكن لا يمكنك أن تأتي وتمزق الجينز الذي أرتديه!». ويذكّر مؤسس تلفزيون الـmtv ــــ الذي لفت اللبنانيين ببعض التقارير العنصريّة (الأخبار؛ 20/10/2011) ــــ أنّه يبذل مجهوداً لإقناع الفرق بزيارة بيروت، وفجأة يخرج من «يخوّفها»، وهذا يضرّ «بصيت البلد وببهدلنا بين الأجانب». نسأله إن كان السبب الحقيقي خلف توقيت الدعوى هو التهرّب من دفع الضرائب، فيردّ ضاحكاً: «بالطبع، لا». الهدف ليس مادياً، بل معنوي بحت كما يخبرنا. «أنا شخصياً لن تؤثّر عليّ خسارة 100 ألف دولار... لكنّ الجمعيات المذكورة ستشعر بثقل الغرامة ولو كانت صغيرة. الهدف أن أؤذيها مادياً، كي لا تكرّر حملاتها».
يشي كلام المرّ بأنّه يعيش على كوكب آخر، أو أنّه في غربة عن الدعم غير المسبوق الذي شهدته حملات المقاطعة الثقافية لإسرائيل خلال السنتين الماضيتين. في هذا السياق، يذكّر ناشط حقوق الإنسان وأحد مؤسسي الـBDS عمر البرغوثي «بالنصر الهام الذي حققته الحملة ضد شركة «ألستوم» الفرنسية المتورّطة في مشروع «ترام القدس» الإسرائيلي». أمام هذا السجال، تبدو الكرة الآن في ملعب القضاء اللبناني... فهل سيسمح بتمرير دعوى تحوي اعتداءً واضحاً على حريّات التعبير؟ وهل سيدخل نفسه في دوّامة تجريم المقاطعة الثقافيّة والأكاديميّة لإسرائيل في سابقة لم تشهدها أي دولة قبلاً؟ هنا، يؤكّد وسام صليبي الناشط في «عائدون» أنّ «حملات المقاطعة تندرج ضمن احترام معاهدات جنيف بوصفها قانوناً دولياً يكرّس الحقّ بمقاطعة من يرتكب جرائم بحقّ الإنسانيّة ومن يدعمه». من جهته، يصرّ سماح إدريس على أنّ حملات المقاطعة لن تتوقّف رغم الدعاوى: «سنسعى في المرات المقبلة إلى ألا تأتي إلى لبنان أيّ فرقة تدعم إسرائيل، أو تسهم في تلميع صورتها. لقد دعت «تويو توسي» توم جونز لإحياء حفلة في لبنان، وعلى حدّ علمنا شارك الفنان البريطاني في حملة تضامنيّة مع الشعب الفلسطيني في لندن، لهذا لن نطلق حملةً لمقاطعته. المسألة مسألة أخلاقيّة ومبدئية وليست تجاريّة كما تصوّرها الجهة المدعية... فالفنّ للفنّ تجاهل للاضطهاد».



مسألة حريّات

«إنّها قضيّة حريّة تعبير، وقضيّة خطاب عام»، يقول نزار صاغيّة. ويلفت المحامي إلى أنّ البحث في تطبيق قانون مقاطعة إسرائيل 1955 على حالة بلاسيبو «خارج الموضوع»، فـ«المسألة مسألة حريّات». ويلفت صاغيّة إلى وجود العديد من التناقضات في نصّ الدعوى، خصوصاً أنّ «الجهة المدعية أكّدت سابقاً أنّ حملة مقاطعة الحفلة فشلت في تحقيق أهدافها».