القاهرة | لم يغيّر «التلفزيون المصري» سياسته المعارضة للمحتجين في ميدان التحرير. لكن شباب الثورة غيّروا طريقتهم في السخرية من التغطية الإعلامية للشاشة الرسمية: خلال الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط نظام حسني مبارك، ابتكر الثوار شعاراً هو «الكذب حصري على التلفزيون المصري». وبعد مذبحة «ماسبيرو» الشهيرة، انتشرت صورة لرجل ذي رأس يشبه رأس الحمار لأنه يشاهد القنوات الحكومية. لكن في اليومَين الأخيرَين، ومع التغطية المنحازة للأحداث في ميدان التحرير، انتشرت نكتة جديدة هي «وجدنا أخيراً تفسير كلمة «ماسبيرو»... إنه اسم إله الكذب عند الفراعنة». لم يحتج المصريون إلى وقت كثير ليعرفوا السياسة التي اختار وزير الإعلام أسامة هيكل وإدارة التلفزيون اتباعها في تغطية الاشتباكات في «التحرير». بعد أقل من ساعتَين على اندلاع المواجهات بين المحتجين والشرطة، اختفت عن الشاشة الحكومية الأصوات التي كانت تهاجم «تهوّر» الأمن منذ مساء الجمعة، وتنتقد ترك بعض مصابي الثورة من دون رعاية، وحلّت مكانها قائمة مُعدّة سلفاً من الضيوف. وهي القائمة التي تضمّ أسماء متحدِّثين مكروهين من الشعب، ومقربين من النظام ــ أي نظام ــ ليتحول المعتصمون في النشرات الإخبارية إلى «مثيري شغب». وتناول مراسلو «ماسبيرو» ما يحدث بوصفه «أعمال عنف قام بها المتواجدون في ميدان التحرير وتصدى لها الأمن ومعه تجار، وسكان الأحياء المجاورة». فيما أطل مرتضى منصور، المحامي الشهير وأحد المتهمين في «موقعة الجمل»، ليهاجم ثوار التحرير. وفي غضون دقائق، عادت النغمة نفسها التي انتشرت خلال الثورة، فشُن الهجوم بعنف على الثوّار من دون أي إشارة إلى الضحايا الذين فقدوا عيونهم في مواجهات السبت.
ورغم أن مراسلي التلفزيون يقولون دائماً إنهم موجودون داخل الميدان، يبدو أنهم لم يلمحوا سقوط عدد من زملائهم جرحى خلال المعركة التي دُفِع إليها الثوّار بعد استفزازات وزارة الداخلية. ولم تهتم نشرات «ماسبيرو» بالبيان الصادر عن نقابة الصحافيين التي أكدت نيتها التحرك القانوني ضد وزارة الداخلية بعد إصابة عدد من الصحافيين والمدونين في مواجهات السبت الماضي. وأبرز المصابين المدون مالك مصطفى الذي فقد عينه، وهو ما حدث مع المصور في جريدة «المصري اليوم» أحمد عبد الفتاح. كذلك أصيب عمر زهيري مصور جريدة «التحرير» في قدمه، والصحافية في جريدة «الفجر» رشا عزب في وجهها. لكن سقوط كل هؤلاء الجرحى لم يؤثّر في الإعلام الرسمي الذي لم يفرّق بين المتظاهرين والصحافيين.
إلا أن تجاهل بيان النقابة لم ينسحب على باقي البيانات الصادرة. بل بثّ «التلفزيون المصري» مراراً وتكراراً بياناً لوزارة الداخلية تنفي فيه استخدام أي أسلحة ضد المتظاهرين. واستمعنا مراراً وتكراراً إلى أخبار غير صحيحة وبعيدة كل البعد عما يجري على أرض الواقع، إلى جانب تحليلات الضيوف المتحيزين الذين لم يترددوا في إدانة المتظاهرين في الميدان. أما القنوات الخاصة فتفادت إلى درجة كبيرة أخطاء تغطية «ثورة يناير»، لكنها طبعاً لم تنحز إلى «التحرير» خوفاً من غضب المجلس العسكري. فضّلت تقديم النصائح للنظام الحالي لتخطّي الأزمة، أبرزها تشكيل حكومة إنقاذ وطني. ثم انتقلت لتصوير الأحداث في الميدان في محاولة لمتابعة التطورات لحظة بلحظة، وهي الخطوة التي كانت تقوم بها قناة «الجزيرة مباشر مصر» قبل منعها من العمل في الشوارع المصرية. وقد حظيت قناة «25» بمساحة متابعة واسعة نتيجة تواجد عدد كبير من مراسليها في الميدان، غير أن الحدث الإعلامي الأبرز بدأ بعد منتصف ليل الأحد حين اتّصل نائب رئيس «صندوق شهداء ومصابي يناير» اللواء محسن الفنجري بقناة «الحياة» ثم «سي. بي. سي». وقال إن الموجودين في الميدان «لا يمثلون الشعب المصري» وغيرها من الاتهامات غير المبرّرة. وقد حاولت ياسمين سعيد مقدمة برنامج «الحياة الآن»، ومذيع «سي. بي. سي» خيري رمضان عدم الانجراف إلى الحديث الفنجري وطالباه أكثر من مرة بالإفصاح عن الجهات «التي تخطط لإثارة الفوضى» كما يقول. لكنه تمسك بتصريحاته حتى النهاية لتفشل محاولة الوصول بالرأي العام إلى أي تهدئة إعلامية.
مرة جديدة، عادت ذكريات الأيام الأولى لـ«ثورة 25 يناير» لتخيّم على المشهد المصري حين غابت البيانات الرسمية لأيام عدة، وهو ما جعل الناشطين على فايسبوك يسخرون ويقولون إنّهم يتوقعون ظهور عمر سليمان من جديد ليعلن تنحي المشير طنطاوي عن الحكم وتكليف الرئيس مبارك بالعودة لإدارة شؤون البلاد!



لم يُقطع الإرسال

مساء السبت، انتشرت شائعة تقول إن العاملين في «ماسبيرو» حاولوا قطع الإرسال احتجاجاً على التغطية المنحازة ضد الثورة. وكان العاملون في «التلفزيون المصري» قد هددوا أكثر من مرة بقطع الارسال بسبب السياسات الإعلامية السلبية بعد «25 يناير». لكن قوات الأمن كانت تسارع إلى تشديد الحراسة على المبنى. من جهة أخرى، تعرّض الموقع الرسمي للتلفزيون الرسمي أمس إلى الاختراق وتعطّل عن العمل لساعات عدة. وكتب مَن نفذ المهمة أن القرصنة مجرد رد بسيط على ما يبثه «التلفزيون المصري» ضد الثورة.