تقاعد كريم أبو شقرا باكراً، وابتعد عن الفن قسراً منذ سنوات. وأمس لم يعد قادراً على مواجهة المرض أكثر، فاستسلم ورحل عن 67 عاماً. كأن القدر شاء أن يجعل محبّيه يتذكرونه مرّة واحدة في العام بابتسامة ودمعة؛ إذ إنّ كريم أبو شقرا ولد في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 1944 في «كفر عمي» في منطقة عاليه، ورحل أمس في 25 من الشهر نفسه 2011. وفي الأشهر الأخيرة، لم يعد يشعر بأي رغبة عند وجوده في المستشفى حيث أمضى معظم وقته مع عائلته المؤلفة من زوجته نورما (تزوجا عام 1977) وبناته الثلاث جولييت، ونورا ونوركا وشقيقته طونيا. وبسبب تدهور حالته الصحيّة، اضطر الأطباء إلى بتر قدمه بسبب مرض السكري الذي كان يعاني منه.
رفيق الفنانة صباح في «أيام اللولو» (سينمائيّاً)، وفي «كنز الأسطورة» و«نوسي نوسي» (مسرحيّاً) وعاشقها في الحياة، أغمض عينيه أمس للمرّة الأخيرة. لم يعد قادراً على الصبر والتحمّل، ولم يتمكن من أن يقف على خشبة المسرح الصغير في «أوتيل كومفورت» في منطقة الحازميّة، ليكون جار «الصبوحة» حيث تقيم. هناك قرّر قبل خمس سنوات أن يطلّ مع ممثلين شباب ومعه الياس الياس من الزمن الجميل في اسكتشات انتقاديّة ساخرة في مسرحيّة «بقّوسي»، غير أن العمل لم يكتب له الاستمرار والنجاح، وخصوصاً أن أبو شقرا كان وقتها يعاني ظروفاً صحيّة دقيقة، منعته من الاستمرار في تقديم برامجه الإذاعيّة في الإذاعة اللبنانيّة.
قبل هذا الزمن الرديء، حلم الطفل كريم بالفن منذ أيام المدرسة. الابن الوحيد للعائلة دخل في السادسة من عمره «جمعية الكشاف اللبناني»، حيث ظهرت موهبته في مسرحيّات مقتبسة لموليير مع مجموعة من الأصدقاء. إلّا أنه أدرك أن الحلم لن يطعمه خبزاً ولن يتمكن من أن يقدّم له وحده عيشة كريمة مع عائلة في المستقبل. لذا استنجد بالوظيفة الرسميّة وفرغ وقته الثاني لممارسة الحلم. وفي سن العشرين، أسس فرقة «وشاح الأرز» في عاليه التي كانت باكورة عروضها مسرحيّة «الآباء والبنون» لميخائيل نعيمة. وفي أواخر الستينيات، اختاره «محترف بيروت للمسرح» لتجسيد ست شخصيات مختلفة في مسرحية «إضراب الحرامية» للمخرج روجيه عسّاف. وشارك أيضاً في مسرحيات مع جلال خوري ويعقوب الشدراوي وميشال نبعة. ومن بين هذه المسرحيّات «مرجان وياقوت والتفاحة»، و«ايزا»، و«جحا في القرى الأماميّة»، و«رفيق سجعان»، و«قبضاي»، و«الستارة».
في زمن الحرب، وتحت أصوات القذائف، قرّر أبو شقرا أن يتجه إلى الشانسونييه، عله يتمكن من رسم ابتسامة على وجوه شعب ينتظره المجهول. هكذا، انتقد السياسيين وسخر من المتحكمين بمقدرات البلد في مسرحيّات دعاهم فيها إلى إيجاد حلول تنقذ لبنان من مأزقه، ومعظمها وجد إقبالاً كثيفاً. ومن هذه الأعمال: «الصلح سيد الحكام»، و«خلوا للصلح مطرح»، و«خوازيق»، و«ماكو بارود»، و«أوفريرا»، و«جرجي درس الموضوع»، و«جندرما يا شباب»، و«ما بعرف»، و«أبونا أيوب»، و«نوسي نوسي» مع صباح، و«صولو»، و«تعا ننسى»، و«طبش الباب وفل». أما في التلفزيون، فسجل مشاركتين مع الراحلة هند أبي اللمع في «عازف الليل» و«حول غرفتي»، إضافة إلى استمراره لسنوات في محطات انتقاديّة على تلفزيون لبنان في 170 حلقة من «كاريكاتور كريم أبو شقرا». وإذا كان عمره في التلفزيون قصيراً نسبيّاً، فإن إصراره على تقديم أفلام سينمائيّة دفعته إلى أن ينتج بنفسه ولنفسه فيلم «المرمورة» (1985) مع ملحم بركات وهلا عون والمخرج وئام الصعيدي، ثم الفيلم الشهير «أيّام اللولو» (1986)، و«أنا الرادار» (1988)، إضافة إلى فيلم «فدعوس وفتاة الأتوستوب» للمخرج سمير الغصيني، و«كريم أبو شقرا في خدمة العلم» من إخراج فؤاد الجوجو (1994). وشارك أيضاً في أفلام أخرى منها: «سمك بلا حسك»، و«شيطان الجزيرة»، و«ساعي البريد»، و«قطط شارع الحمراء»، و«غزلان»، و«سارق الملايين».
ورغم أن اسم كريم أبو شقرا انضم إلى قافلة الراحلين رسميّاً أمس فقط، غابت صورته كممثل عن الشاشة الصغيرة منذ سنوات. لم تشفع له سنوات العطاء على المسرح وفي التلفزيون، بأن يظلّ في ذاكرة منتجي ومخرجي اليوم، حتى أولئك الذين أتيح لهم التعامل معه في بداياتهم خلف الكاميرا، يوم كان أحد النجوم اللافتين في الثمانينيّات. ولم يرشّح اسمه مرّة كضيف على أحد الأعمال الدراميّة أو ليحل ضيفاً على سيتكوم أو برنامج طريف. غير أن «المكرِّمين» يلتفتون أحياناً إلى من كرّس حياته لخدمة الفن ولإضفاء الضحكة على الوجوه في زمن الحرب. هكذا، وجد التفاتة إيجابيّة من «موركس دور» قبل عامين. وقبل ذلك، كرّمه تلفزيون لبنان في برنامج «ساعة وفا»، يوم استقبله ميشال حوراني في حلقة جال فيها على حياته العائليّة والمهنيّة.



zoom

النقابة «قامت بواجبها»!




قدر الممثل اللبناني أن يعيش رحلة الآلام والمرض طوال حياته. عليه الانتظار على أعتاب المستشفيات، آملاً أن يسمح له بالدخول، لأن من لا يملك المال في هذا البلد لا يحقّ له المطالبة بالاستشفاء. هذا ما حدث سابقاً مع عشرات الفنانين، منهم كمال الحلو الذي رحل بعدما رفضت استقباله مستشفيّات عدّة، وقبله ماجد أفيوني وليلى كرم. وإذا كان هؤلاء الفنانون قد رحلوا وفرض عليهم تكريم رسمي، رفضته ليلى كرم، «من بلد لا يعطي للفنان حقّه»، فإن الأمر كاد ينسحب على الممثل والأستاذ الجامعي زياد أبو عبسي الذي توسّط له نقيب الممثلين جان قسيس لدخول أحد مستشفيات بيروت لتلقي العلاج، قبل عودته أخيراً لممارسة نشاطه.
في كل مرّة، يرحل فيها ممثل كرّس حياته لخدمة الفن، تعلو صرخة تطالب بضرورة تطبيق قانون تنظيم المهن الفنيّة. وتمر السنوات، ولا شيء يتغيّر على الأرض، فما فائدة إقرار القانون إذا لم تصدر آلية تنفيذه في «بلد الإشعاع والثقافة، في بيروت التي كانت تفاخر بالسينما والمسرح وهما اليوم في غياب تام، وهي مقفلة على عتمتها؟»، كما علّق نقيب الممثلين السابق رفيق علي أحمد.
النقابات أراحت ضميرها، باختصار، «قامت نقابة الفنانين المحترفين بواجبها مع زميل عزيز»، وأرسلت نقابة الممثلين رسالة قصيرة sms أبلغت فيها الزملاء بوفاة كريم أبو شقرا. ونعته وزارة الثقافة في بيان وجهت فيه تعازيها إلى عائلته ونقابتي «ممثلي المسرح والإذاعة والسينما والتلفزيون» و«الفنانين المحترفين». ورأت أن «برحيل الممثل كريم ابو شقرا، تفقد الكوميديا اللبنانية ممثلاً عرف منذ عقود بصاحب الشخصية «الظريفة والمحببة» إلى قلوب اللبنانيين، الشخصية التي رسمت البسمة على مُحَيّا الجمهور الذي كان يتابعه، سواء على المسرح والتلفزيون أو في السينما».
يذكر أن مراسم الدفن تقام غداً الأحد عند الثالثة عصراً في مسقط رأسه في كفرعمي ــ قضاء عاليه، وتقبل التعازي في كنيسة مار زخيا في عجلتون الاثنين 28 والثلاثاء 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي.