القاهرة | الثورة المصرية تعود إلى الخلف وتُخرس كل الأصوات التي كانت تعتقد بأنّ أبواب الحريات فتحت على مصراعيها مع سقوط نظام مبارك. وأسطع دليل على ذلك إصدار محكمة مصرية أول من أمس حكماً يقضي بحبس الصحافيتين في جريدة «الفجر» المصرية، فاطمة الزهراء محمد (لمدة شهرين)، وسالي حسن (شهر واحد). أما التهمة فهي انتهاك الحياة الخاصة وسبّ وقذف الشيخ السلفي يوسف البدري، وتغريم رئيس التحرير في «الفجر» عادل حمودة، ومدير التحرير محمد الباز مبلغاً قدره خمسة آلاف جنيه (حوالى 850 دولاراً أميركياً).
وتعود القضية إلى عام 2009 عندما نشرت الصحافيتان تحقيقاً في جريدة «الفجر» حمل عنوان «مغامرة في المعادي ... رقية شرعية في منزل يوسف البدري بـ 350 جنيهاً». حكت الصحافيتان في هذا التحقيق كيف تنكرّتا ودفعتا مبلغاً مالياً للداعية السلفي، مقابل قيامه برقية شرعية لهما. وهو ما أغضب البدري الذي رفع دعوى قضائية ضد فاطمة الزهراء، وسالي حسن ومحمد الباز وعادل حمودة، مطالباً القضاء بمحاكمتهم بتهم انتهاك حرمة حياته الشخصية والسبّ والقذف واستعمال مستند وإذاعته من دون وجه حق. الشيخ المعروف بدعاواه الكثيرة التي يرفعها ضد الفنانين والمثقفين، استند في قضيته إلى عدد من مواد قانون العقوبات المصري. ورغم الحكم بالبراءة من التهم التي وجّهها البدري للصحافيين في محكمة الدرجة الأولى من التقاضي (المحاكمة) وتغريمهم مادياً فقط، إلا أنّ النيابة العامة استأنفت الحكم بالبراءة، وقام الصحافيون المتهمون باستئناف حكم الغرامة الصادر ضدهم، فانتهت المحاكمة إلى حبس الصحافيتين.
الحكم أثار حالة من الاستنكار والغضب الشديد بين الصحافيين والمنظمات الحقوقية. وناشدت نقابة الصحافيين في بيان لها النائب العام بإرجاء تنفيذ حكم الحبس، مبدية أسفها الشديد على الحكم ومعربةً عن تضامنها مع الصحافيتين. واعتبرت الحكم وملابساته «استمراراً لنهج النظام السابق في حبس الصحافيين» وتجاهلاً للمطالب بإسقاط المواد القانونية السالبة للحريات والمقيدة للنشر. وطالبت الصحافيين المصريين بـ«التكاتف لإسقاط تلك العقوبات في القانون المصري». ودعت النقابة أعضاء مجلس الشعب الجديد إلى «إعطاء أولوية للحريات العامة، على رأسها حرية الصحافة واستبدال عقوبة الحبس في جرائم النشر بغرامة مناسبة حتى يتمكن الصحافيون من أداء عملهم في كشف قضايا الفساد».
بدورها، رأت «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» أنّ الحكم «لا يتّسق في بلد قامت فيه ثورة تنادي بالحرية». وأضافت: «من المؤسف أن يعاقب صحافي على أداء عمله المهني والإعلامي بالحبس». وأدانت «شبكة المدافعين عن حقوق الإنسان لمؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان» أي تهديد يتعرض له الصحافيون والإعلاميون. وطالبت مجلس نقابة الصحافيين ونقيب الصحافيين ممدوح الوالي بـ«القيام بدور قوي وواضح في حماية المهنة وحرية الصحافة والرأي والتعبير من التعرض للتهديد والتشهير والضغوط المهنية والمعنوية أثناء قيام الصحافيين بدورهم المهني ومنع حبسهم في قضايا النشر». وأكد «مركز الإعلام الحرّ» أنّ العقوبات السالبة للحريات في قضايا النشر «لا تتوافق مع مطلب الحرية الذي نادت به «ثورة 25 يناير»، مشيراً إلى أنّ «استمرار حبس الصحافيين في قضايا النشر يضع مصر ضمن الدول التي لا تحترم حرية الصحافة، ولا تزال تخضع الصحافيين لعقوبات سالبة للحرية بما يعوق عملية التطور الديموقراطي وحرية التعبير». من جهة أخرى، دعا عدد من الصحافيين إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام نقابة الصحافيين الأحد المقبل للتضامن مع الصحافيتين وضد تقييد الحريات، وللمطالبة بإلغاء المواد القانونية التي تجيز حبس الصحافيين.