في المبدأ وافقت اللجنة الخاصة بمراقبة الأعمال السينمائية على عرض فيلم «بيروت بالليل» لدانيال عربيد... لكن شرط أن «يتقيّد معدّو الفيلم بحرفيّة السيناريو الحائز الموافقة المسبقة». كأنّ اللجنة تطلب من عربيد إعادة تصوير الفيلم من جديد، بسيناريو يتوافق مع شروطها. من يتمعنّ في قرار اللجنة، يُخيّل إليه أنها نصّبت نفسها شريكةً لعربيد في تأليف النصّ، وها هي تلومها الآن لأنّها أخلّت بالاتفاق! «الفيلم السينمائي يتطور دوماً أثناء التصوير. هناك أجزاء في النص ليست موجودة في الشريط مثلاً، ومشاهد في الشريط لم تكن موجودة في النص»، تردّ عربيد التي تفاجأ بقلّة دراية اللجنة بواحدة من أبسط قواعد العمل الفنيّ، ألا وهي الحقّ في التعديل والارتجال.
تشكّل الرقابة بتشعباتها الطائفية والمذهبيّة والحزبيّة أحياناً، قوّة ترهيب حقيقية للمبدعين. في كتاب ««أعمال الرقابة قانوناً» (هنريش بُل؛ نزار صاغية، نائلة جعجع، رنى صاغيّة)، يشير الباحثون إلى أنّ العديد ممن يملكون وثائق ومعلومات توثّق اعتباطيّة الرقابة، تحفظوا على إيراد أسمائهم في الكتاب، خوفاً من أي تبعات.
ويشرح البحث أنه في مرحلة الاستحصال على إجازة تصوير، يحتاج السينمائيون أحياناً إلى إذن كلّ الأجهزة الأمنية العاملة في لبنان... كما يجب مراجعة وزارة الثقافة للتصوير داخل الأماكن الأثريّة، وأحياناً «الشركات الخاصة كما في حالة «سوليدير» لتصوير شوارع وسط بيروت، لقاء تسديد رسم لصالح الشركة مقداره 500 دولار تضاف إليها الضريبة على القيمة المضافة»، مع ضرورة إبراز الإيصال بحسب المعلومات التي جمعها الكِتاب. وهذا ما سمّاه المؤلفون «رقابة بألف عين وعين». وكلّها إجراءات تفضي إلى إرهاق السينمائي، وإطالة رحلاته من مكتب إلى مكتب ومن إدارة إلى إدارة، ما يكبّده مصاريف إضافيّة، خصوصاً أنّ أعماله غير معفيّة من الضرائب.
وأحياناً تتضمن إجازات التصوير تعهّدات من قبل السينمائيين، بـ«عدم المسّ بالأخلاق العامّة»، أو «بمصلحة الدولة العليا»، أو بأي حساسيّة سياسية أو عسكريّة. ويقول المحامي نزار صاغيّة ساخراً: «الحساسيّة كما نعرف هي مرض جلدي، وليست مصطلحاً قانونياً».
سناء...