هل هبّت رياح الثورة على الثقافة التونسية؟ لا يبدو أنّ تثوير العقول كان خطة مدرجة على أجندة ثوّار تونس، الذين شُغلوا بالشأن السياسي، مهملين الإبداع بوصفه إحدى أكثر الأدوات فعاليةً في تجذير الثورة. الحصيلة الثقافية عام 2011 كانت هزيلة. المؤسسات الثقافية ظلت تحتكم إلى المنظومة السابقة ذاتها. وباستثناء بعض التغييرات على رأس بعض الهياكل الرسمية، حافظت غالبيتها على الإدارة التي كانت تتولاها في ظل النظام السابق. ومع عودة الهدوء، استعادت الحياة الثقافية بعض أنفاسها.
في المسرح، أقيمت فعاليات «أسبوع المسرح التونسي» في زغوان، والدورة الـ15 من «مهرجان محمد عبد العزيز العقربى للمسرح» في مدينة منوبة. ومن المسرحيات الجديدة، نذكر «السجين 3300» للهادي ولد باب الله، الذي أجرى تغييرات على النصّ ليواكب مناخات الثورة. واحتضنت قاعة «الفن الرابع» في العاصمة عرض «ليلة الغفلة» للمخرج معز العاشوري.

عادت المسرحية بالجمهور إلى ليلة 14 يناير 2011، عشية سقوط زين العابدين بن علي. وفي كانون الأول (ديسمبر)، شهد المسرح البلدي في العاصمة عرض «بورقيبة في السجن الأخير»، الذي أعاد المسرحي والممثل المعروف رجاء فرحات إلى الخشبة بعد غياب طويل، إضافة إلى مسرحية «مونولوغ السبسي» (نص وإخراج حاتم بلحاج) المستوحاة من أحداث عاشها التونسيون عشية 13 يناير، بعد آخر خطاب توجه به الرئيس المخلوع إلى الشعب باللهجة الدارجة، ليعبّر عن ندمه ويلفظ عبارته الشهيرة «فهمتكم»!
أما توفيق الجبالي، فقدّم على خشبة مسرح «التياترو» عرضه «الخلوة» (تصور عام ودراماتورجيا وإدارة فنية) وإخراج كل من نوفل عزارة ومعز القديري والجبالي. العرض يسخر من العملية الانتخابية، والأحزاب الإسلامية مطلقاً العنان لكلام في السياسة كان ممنوعاً في سنوات الاستبداد. كذلك، قدّم الثنائي الفاضل الجعايببي وجليلة بكار عرضهما «يحيى يعيش» قبل سقوط بن علي، فجاء نبوءة حقيقيّة تعلن تآكل السلطة وانهيارها الوشيك. في مجال الفنّ السابع، لم يسجّل إنتاج أي فيلم جديد هذا العام. لكن يمكن التوقف عند المهرجانات السينمائية، إذ احتضنت تونس الدورة الـ 18 من «أيام السينما الأوروبية»، حيث نال «فلاقة 2011» للمخرج رفيق العمراني تنويهاً خاصاً من لجنة التحكيم. وانطلق السينمائي مصلح كريم في تصوير أول أفلامه الروائية الطويلة بعنوان «باب الفلة»، الذي يضمّ أسماءً تونسية بارزة مثل فتحي الهداوي، وعلي بنور، ويونس الفارحي، ودرة زروق. على صعيد المعارض، أقيم «الصالون الدولي الخامس عشر للشريط المصوّر» في تازركة تحت شعار «الثورة الديموقراطية والمصوّرون». نظمت الرابطة التونسية للفنون التشكيلية معرضها السنوي بمشاركة أكثر من 100 فنان. فيما دُشِّن أخيراً «مركز بشيرة للفن المعاصر» الكائن في سبالة بن عمار في منطقة سيدي ثابت. الإصدارات كانت نادرة هذه السنة، من بينها ديوان «تحت دوح الياسمين» للشاعر المختار بن اسماعيل، وديوان «تمرين على كتابة يوم الجمعة 14 جانفي 2011 وقصائد أخرى» للتونسي المعروف منصف الوهايبي، وكتاب «تونس.. الهجمة» للصحافي توفيق بن بريك، الذي طرح فيه رؤية نقدية لنظام الرئيس المخلوع.

لكن الأهم أنّ مخاوف وعلامات استفهام ارتسمت حول المشهد الثقافي بعد الثورة، وخصوصاً بعد تعرّض عدد من المثقفين، أمثال السينمائي النوري بوزيد، والشاعر الصغير أولاد أحمد، لاعتداءات في الأشهر الأولى التالية لقيام الثورة. ثم ازدادت حدّة الاعتداءات مع قيام متشددين إسلاميين باقتحام قاعة «أفريكارت» في العاصمة لمنع عرض فيلم ناديا الفاني «لا الله ولا سيدي» (عدّلت عنوانه ليصبح «علمانية، إن شاء الله») والاعتداء على مدير الصالة المنتج الحبيب بلهادي، ثم تعرُّض قناة «نسمة» لاعتداء سلفي بسبب عرضها فيلم «برسيبوليس».