امتدت ولاية كل من الوزيرين كرم كرم (1998- 2000) ومحمد جواد خليفة (2004 – 2011) في وزارة الصحة لحوالى عقد كامل من الزمن، أي تقريباً ثلث المدة منذ انتهاء الحرب الأهلية وصولاً إلى يومنا هذا. ميزة الرجلين إضافة إلى مدّة توليهما مهام وزارة الصحة تكمن في أنهما طبيبان، عايشا ولمسا وما زالا أوجاع اللبنانيين وحال المستشفيات عن كثب، وليس من خلف المكاتب. شهادة الوزيرين مؤلمة، وتدفع للتفكير عميقاً في ما قاله الوزير كرم حين دعا لتمسية وزارة الصحة... بوزراة المرض.
كرم كرم


يرى الوزير كرم كرم أنه «لا يمكن الحديث عن نقلة نوعية ضخمة في قطاع الاستشفاء في لبنان منذ توليه وزارة الصحة وحتى الوقت الراهن». حديث كرم ليس من باب التجريح والتقليل من قيمة ما أُنجز طوال هذه المدة لكن من منطلق التحسّر على ما كان بالإمكان تحقيقه، «فعلى الرغم من أن القطاع الاستشفائي الخاص في لبنان متطور تقنياً وعلمياً، ومستشفى الخدمات التي يوفرها تعدّ جيدة جداً بالمقارنة مع مستشفيات الشرق الأوسط والعالم العربي، إلا أنني مصاب بخيبة أمل لأننا قادرون على إنجاز أكثر بكثير، وأن يكون لبنان من الأفضل في هذا المجال على مستوى العالم وليس فقط على صعيد المنطقة، نظراً إلى الكفاءات والطاقات البشرية المتوافرة، سواء في الجسم الطبي أو المهن الموازية للطب في التمريض أو المختبرات أو الأشعة».
يندب كرم حال المستشفيات الحكومية «المُحزن» والتي تعد مصيبتها الكبرى أنها تُدار من قِبل «اللادولة اللبنانية». يتخذ كرم من مستشفى رفيق الحريري الجامعي مثالاً وهو الذي كان يفترض به «أن يكون الأفضل في الشرق الأوسط» وإذا به في حال يرثى لها. وعلى عكس ما هو شائع فمشكلة هذا المستشفى ليست جديدة أو نتيجة سوء إدارة، لا بل هي حالة مزمنة رافقته منذ إنشائه. يروي كرم أن «العمل بالمستشفى بدأ حين كنت وزيراً للصحة، وكانت لدي اعتراضات كثيرة على المبنى وشفافية العمل، واكتشفتُ حجم الفساد حين أردنا البدء بتجهيزه. أذكر أن وزيرة الصحة الأميركية حينها دونا شلالا وكانت صديقة للبنان جنّدت جميع القدرات في الولايات المتحدة لمساعدتنا، وأجرينا دراسات عدة مع المؤسسات الأميركية المعنيّة إضافة إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكانت الخلاصة والاستنتاج أن هذا المستشفى فيل أبيض سيستنزف الدولة اللبنانية ويُغرقها نظراً لحجم الفساد المستشري فيه».
السياسيون في لبنان وأزلامهم اكتشفوا أن قطاع الدواء في لبنان مربح كقطاع المخدرات


يضيء الوزير السابق على مشكلة كبيرة أخرى، ألا وهي قطاع الدواء في لبنان وخاصة أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية والتي يطغى الحديث عنها في الإعلام مؤخراً. يقول إنه حين تسلّمه الوزارة: «اكتشفتُ أن مركز التوزيع في الكرنتينا كان عبارة عن «زريبة»، لا يقدر المريض على الوصول إليها، وينتشر فيها السماسرة، وممثلو الأحزاب الذين كانوا يحضرون ومعهم عدد كبير من الوصفات الطبية الصحيحة والمزوّرة ويأخذون كميات كبيرة من الأدوية، وبعد شهر أو شهرين كانت تفقد الأدوية من المركز وتباع في السوق السوداء في الدول العربية المجاورة. ولكي نجعل هذا المركز أهلاً لأن يستخدمه البشر تطلّب الأمر جهداً كبيراً نظراً لاعتراض المستفيدين من السرقات، حتى أنني اضطررت أن أساهم شخصياً في إعادة تأهيله بمساعدة من منظمة الصحة العالمية حتى أصبح مركزاً تقنياً وممكنناً».
يعتبر كرم أن «السياسيين في لبنان وأزلامهم اكتشفوا أن قطاع الدواء في لبنان مربح كقطاع المخدرات، ونسبة السرقة في هذا القطاع الذي تتخطى فاتورته المليار دولار تقدر بحوالى 20% إلى 25%. ومما لا شك فيه لو أمكنني اتخاذ قرار فاعل اليوم لكنت عملت على معالجة حال هذا القطاع والعمل على إطلاق البطاقة الصحية التي لا مصلحة للسياسيين بأن تُبصر النور كونها ستحرمهم من تقديم الخدمات لجماعاتهم، ولا للإداريين كونها ستحد من قدرتهم على السرقة ولا للرأسماليين الذين يستوردون الأدوية».

محمد جواد خليفة


من جهته يعتبر الوزير محمد جواد خليفة أن «قطاع الاستشفاء في لبنان متطور جداً من حيث الخدمات والمعدات والكادر البشري»، لكن إحدى أبرز المشاكل التي يعاني منها تكمن في «غياب هندسة انتشار الخدمات الصحية والتخصص للمستشفيات، أي تحديد نوعية الخدمات التي يجب على كل مستشفى تقديمها وحسب المناطق التي توجد فيها. فالنظرية المُتبعة في لبنان هي أن جميع الخدمات يجب أن تكون متوافرة في كل مستشفى وفي كل منطقة، وهو ما لم تنجح أعظم الدول وأكثرها تطوراً في إنجازه. لا يمكن للمستشفيات أن تقوم بكل شيء فهذا يتطلب عدداً كبيراً من الأخصائيين واليد العاملة والمعدات التي لا يمكن توافرها في مستشفى واحد، ما يؤدي إلى إنفاق كبير على الخدمة الاستشفائية وتردّي الخدمات. والتخصص في الخدمات يخفّض الكلفة كثيراً، وللأسف فالمستشفيات تشتري العديد من الآلات التي لا تحتاج إليها ولا تستخدمها فقط من باب «البريستيج»».
تشتري بعض المستشفيات العديد من الآلات التي لا تحتاج إليها فقط من باب «البريستيج»


في هذا الإطار يشدد خليفة على أن «الدولة لا تملك سلطة في مجال الخريطة الصحية، أو في إلزام المستثمر بما يفترض القيام به، لذلك على المستشفيات الخاصة أن تبادر من تلقاء نفسها للتخصص».
وفي ما يختص بالمستشفيات الحكومية يقول خليفة: «على أيامي كان هنالك قرار مركزي بتوجيه الخدمات وحينها افتتحت مستشفى بيروت الجامعي وقررنا نقل جميع الحالات التي تحتاج إلى مستشفى جامعي إلى هذا المستشفى، أما الحالات المتوسطة والبسيطة فتُعالَج محلياً. وعلى هذا المنوال افتتحنا مستشفى النبطية الحكومي المتخصص في مجال السرطان، وقمنا بتوأمته مع الجامعة الأميركية». يؤكد خليفة أن الاستمرارية في المستقبل تفرض على «المستشفيات العائلية في لبنان أن تندمج، وأن يتخصص كل منها في مجال، فتغيب المضاربة والتنافس بينها، وتزيد الفعالية والخبرات لدى الطاقم الطبي والتمريضي، وما يعيق الدمج حالياً هو الربح المادي الذي تجنيه المستشفيات من استمرار الحال على ما هو عليه».
وكما الوزير كرم، يندب الوزير خليفة حال مستشفى رفيق الحريري الجامعي مذكراً أنه في أيامه «كان يجري المستشفى 400 عملية قلب مفتوح و15 عملية زرع كلى و170 عملية عامود فقري»، أما اليوم فقد تحول إلى «دار توليد للاجئين». وفي السياق عينه يشير خليفة إلى أنه وخلال الفترة التي تولى فيها الوزارة «نقلت 45% من موازنة وزارة الصحة من المستشفيات الخاصة إلى المستشفيات الحكومية ومن بعدها انعكست الأمور».



تواريخ طبية


منتصف القرن التاسع عشر أسّس الأخوان ميخائيل وجبور طوبيا من عمشيت مستشفى مار مخايل، في عام 1850، وبدأ العمل في منزل أحدهما ريثما أُنشئ مبنى كامل للمستشفى عام 1892.
استخدم العسكر العثماني قسماً من السرايا الكبيرة (مركز رئاسة الحكومة حالياً) كمستشفى ابتداءً من عام 1865.
مع افتتاح كلية الطب عام 1867 في المدرسة الإنجيلية السورية (التي أصبحت لاحقاً الجامعة الأميركية في بيروت)، كانت الانطلاقة العلمية للمستشفيات في لبنان. وبدأ العمل في أول مستشفى للجامعة الأميركية عام 1902.
افتتحت كلية الطب في جامعة القديس يوسف عام 1886
وضع الحجر الأساس في مستشفى أوتيل ديو عام 1923، تلا ذلك تأسيس مستشفى القلب الأقدس والمستشفى الألماني الذي صار اسمه السان شارل ومستشفى بحنّس...