للكلمات اللطيفة والإطراءات وقع إيجابي كبير على صاحبها ومتلقّيها على حدّ سواء، ما يجعلها شبه ضرورية في أي بيئة مجتمعية أو عملية. غير أنّ الدراسات الأخيرة كشفت أنّ الكثير من الأشخاص يفضّلون الاحتفاظ بإطراءاتهم، ممتنعين عن مشاركتها مع من أمامهم.
في تجربة أجرتها المجلة البريطانية «هارفارد بزنس رفيو»، نجح جميع الأشخاص الخاضعين لها في كتابة إطراء لأحد أصدقائهم، إلا أنّ نصفهم فقط قاموا فعلياً بإعطاء هذا الإطراء حين سنحت لهم الفرصة. يأتي هذا في وقت يعتقد 90 في المئة منهم أنه يجب الإطراء على من حولهم أكثر، وبعد نجاحهم في المهمة الأصعب: إيجاد الصفة الإيجابية التي تستحق الثناء عليها في الشخص الآخر.

وبحسب المجلة، الحاجز الرئيسي الذي يقف بيننا وبين الإقدام على هذه الخطوة هو: سوء تقديرنا لانعكاسات كلماتنا المشجعة على متلقيها وعلينا.

وقد اتضح من خلال تجارب أجرتها المجلة، أنّ من يريد في العادة إعطاء إطراء ما، يفشل في إدراك مدى الانعكاس الإيجابي الذي ستتركه كلماته على المتلقي، ويميل إلى الاعتقاد أنّ هذا الأخير قد يشعر بنوع من عدم الارتياح في معظم الأحيان.

بيد أنّ الباحثين، بعد أن قاموا بمقارنة بين المشاعر الفعلية للمتلقّين وتوقّعات من يرسلون الإطراء، وجدوا أنّ هؤلاء المرسلين «يقللون» في العادة من أهمية وقع كلماتهم على الآخرين، و«يبالغون» في الخوف من إشعارهم بالحرج، ما يؤدي، بحسب المجلة، إلى الامتناع عن الإقدام على هذه الخطوة اللطيفة، التي من شأنها أن تحسن مزاج كلا الطرفين طوال النهار.

وبحسب مجلة «فوربس»، يمتنع أرباب العمل أيضاً، في كثير من الأحيان، عن الإطراء على الموظفين، ويلجأون في المقابل إلى إيصال التعليقات الإيجابية من خلال اجتماع عام أو من خلال بطاقات شكر ترسلها الشركة للموظف، أو عبر موظفين آخرين. فالمدير قد يعتبر، على سبيل المثال، أنّه لا يحتاج إلى سماع تقييم إيجابي من أحد، فلمَ عليه بالتالي إعطاؤه للموظفين؟

إلا أنّ المدرب التنفيذي لعدد من أهم الشركات الكبرى، والكاتب المساهم في «فوربس»، نيهار شهايا، يؤكد أنّ هنالك ارتياحاً غير موصوف ينتاب الشخص لدى معرفته بأنّ من معه في العمل يقدّرون جهوده، ولا سيما في هذه المرحلة الاستثنائية. في السياق، يرجّح بعض علماء النفس أنّ للكلمات الإيجابية في بيئة العمل وقع على دماغ الموظف شبيه بتلقيه مكافأة مالية، ما يحفزه على الاستمرار في بذل قصارى جهده في العمل.

أمّا موقع «Business Know-How» المختص بالأعمال، فيعتبر أنّ من الأسباب الأخرى التي قد تحول دون إعطاء المزيد من الإطراءات هي عدم رغبة المُعطي بأن يظهر في موقع «دوني» مقارنة بالمتلقي. فالبعض قد يعتبر أنّ رفع الآخرين قد ينتقص من قيمته، في حين تؤكد التجارب أنّ مدح الآخرين يحسّن من حالتنا النفسية بشكل كبير، ويرفع من إنتاجيتنا وثقتنا بأنفسنا في كلّ مرة.

فنُّ الإطراء
كما لاحظنا، الإطراءات قادرة، في حال سمحنا لها، على خلق الكثير من الطاقة الإيجابية. كما أنّ لها فعل السحر في تطرية الأجواء بين أي فردين. غير أنّ موقع «psychology today»، المختص بالسلوك البشري، يؤكد أنّ إعطاء الإطراءات هو «فنٌّ» قائم بذاته. ويجب علينا، بالتالي، تعلّم «أصوله»، وإلا فإننا قد نفسد اللحظة عن غير عمد.

على الأرجح، القاعدة الأهم في إعطاء الإطراءات هي أن تكون صادقة، أي نابعة من القلب. فبحسب المجلة، الشخص الآخر يلحظ الإطراءات المصطنعة بسهولة فائقة، ما يؤدّي إلى نتائج عكسية كلياً. فبدلاً من الشعور بالإيجابية والتقدير، سيشعر المتلقي بانعدام الثقة تجاه المعطي ودوافعه، ما سيؤثر سلباً على العلاقة بدلاً من إحيائها.

وبحسب الموقع، يجب تخصيص وقت مناسب لإعطاء الإطراء، فلا يتمّ بالتالي، بشكل عرضي، بل يكون مباشراً وواضحاً. ويفضّل أن يكون في جملة قصيرة، تتطرّق بوضوح إلى العمل الذي يتمّ الإطراء عليه.

وعلى المتلقي، بدوره، أن يتنبّه لبعض النقاط كي لا يقضي على تبعات الإطراء الإيجابية. على سبيل المثال، لا يعدّ قولُك، وفقاً للموقع، «إنها ثياب قديمة، أمتلكها منذ سنوات طويلة»، الإجابة المثلى في حال قال لك أحدهم «ثيابك أنيقة اليوم».

في الواقع، رد كهذا كفيل بأن يقضي على الأجواء الإيجابية ويُشعر الشخص الذي أمامك بأنه «أحمق»، لأنه قام بالتعليق على موضوع لا يستحق أن يتم التطرّق إليه. في المقابل، تبقى الطريقة الأنسب لتلقي الإطراء هي كلمة «شكراً»، مع ابتسامة لطيفة.

ولا تقلقوا، فعلى عكس ما هو متوقّع، فإنّ تكرار الإطراءات لا يقلل من وقعها الإيجابي أبداً. بل هي قادرة على تحسين مزاج المتلقي حتى إذا تمّ إعطاؤها بشكل يومي. بمعنى آخر، ووفق ما اتضح عبر إحدى تجارب «هارفارد بزنس رفيو»، فإنّ الإنسان، مثلما يحتاج إلى الأكل بشكل منتظم لتلبية حاجاته البيولوجية، يحتاج أيضاً إلى الشعور بأنّ من حوله يلاحظه ويقدّره ويعترف بجهوده، في عمله وجميع جوانب حياته وبشكل مستمرّ.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا