متأخراً بعض الشيء، أعلن الرئيس أمين الجميّل أسماء مرشحي الكتائب اللبنانيّة الثمانية في الانتخابات المقبلة. قراءة في علاقة المرشحين بدوائرهم السبع ترجح أن تكون الكتائب الخاسر الأكبر في الانتخابات المقبلة، نتيجة سوء إدارة الجميّل لعملية التفاوض مع حلفائه
غسان سعود
يعدّ حزب الكتائب اللبنانية القوة الشعبية الأولى بين مسيحيّي 14 آذار والأكثر تمدداً في المناطق المسيحية كلها. فللحزب أنصاره في معظم الأقضية ـــــ الدوائر المسيحية (جزين، الزهراني، الشوف، عاليه، بعبدا، المتن، زحلة، كسروان، جبيل، البترون، الكورة وعكار).
هؤلاء الأنصار، بشيبهم كما بشبابهم، يشبه بعضهم بعضاً، يتكلمون بالمنطق نفسه والأسلوب ذاته. يقلدون آل الجميّل بحركات اليدين، ويكادون كلهم يسرّحون شعورهم على طريقة «الرئيس». وغالباً ما يكون ثالث كتائبيَّين فور التقائهما هو الحزب ـــــ المدرسة.
فلا أحد يفوق الكتائبيين شطارة في الكلام باعتزاز عن تلك «المدرسة» التي أنشأها بيار الجميّل. هذه المدرسة يفترض أنها تتميز بالانضباط التام تحت قيادة أبناء العائلة الكتائبية المالكة، وحسن القراءة السياسية والذكاء في الحفاظ على الموقع.

هروب من استعادة الدور

هذه العناوين الثلاثة، ولا سيما آخرها، تبدو مع إعلان الجميّل مرشحيه الثمانية عرضة للمساءلة.
فالجميّل رشح في 7 دوائر انتخابية: المتن (إيلي كرامة وسامي الجميّل)، زحلة (إيلي ماروني)، بيروت الأولى (نديم الجميّل)، طرابلس (سامر سعادة)، عاليه (فادي الهبر)، كسروان (سجعان القزي) وبعلبك ـــــ الهرمل (سعد الله عردو). ويكون بذلك قد تخلى عن حق حزبه بالترشح في دوائر له فيها الحيثية الأكبر وسط مسيحيي 14 آذار، مثل جزين وبعبدا والبترون والكورة، ممهداً بذلك لفقدان ما بقي من شعبيّة له في تلك الدوائر.
في جزين، يخوض أعتق الكتائبيين، إدمون رزق، المعركة من دون مباركة حزبه السابق. وهو اليوم، كما يقول القريبون منه أقرب إلى القوات اللبنانية منه إلى «كتائب الجميّل»، رغم محاولات سامي الجميّل استيعاب العمود الفقري للحزب في الجنوب، الذي قضى في أروقة الكتائب وفوق منصاته الخطابية خمسين عاماً.
أما في بعبدا فلم ينجح الجميّل في تثبيت حق كتائبيي بعبدا الذين قدموا شهيداً من صفوفهم، بأن يكون لهم مرشح على لائحة الأكثرية، ولم يراع سعي آل غانم للحفاظ على حضورهم النيابي. ففرّط في حق الطرفين، ولم ينتزع للكتائب مقعداً مرشحاً.
وشمالاً، كانت دائرتا البترون والكورة تعدان معقلي الكتائب الأساسيين في الشمال. فالبترون مدينة الرئيس الأسبق للكتائب، جورج سعادة.
والكورة مدينة الأفواج الكتائبية المقاتلة (طرح في الكورة اسم جون مفرج الذي كان قادراً على بلورة حركة شعبية كتائبية تستنهض الحزب، لكن الجميّل لم يعره الاهتمام الكافي، وتجاهل احتمال ترشحه).
رغم ذلك، كان الرئيس الجميّل الذي يلقبه الكتابيون بالعنيد، لطيفاً جداً، فرضخ بسرعة: يلتزم كتائبيو البترون والكورة بالتصويت لمرشحي القوات في الدائرتين، وتنضوي ماكينتا الكتائب تحت إمرة ماكينة القوات، مقابل حجز مقعد للمرشح سامر سعادة على لائحة تيار المستقبل في طرابلس.
في النتيجة، يتبيّن أن الجميّل، في تفاوضه مع أفرقاء الأكثريّة، قبل التخلي عن ترشيح كتائبيين لحزبه نفوذ تاريخي فيها، مقابل ترشيح كتائبيين في دوائر يرى الجميّل أن فوزهم فيها مضمون. وهو توقع قد لا يكون بالضرورة صائباً.

5 مرشحين غير مضمونين

قبل الجميّل الانسحاب من البترون والكورة على اعتبار أن مقعد سعادة في طرابلس مضمون النتيجة، لكن كل أجواء عاصمة الشمال تؤكد عكس ذلك: الصفدي اضطرّ على مضض إلى سحب مرشحه الماروني، وهو إن بلع ذلك الموسى فلن يكون أبداً متحمساً للتصويت لسعادة.
أما الرئيس نجيب ميقاتي فقبل أن لا تضم لائحة «الائتلاف» النائب السابق جان عبيد، لكن ذلك لا يعني أبداً أنه سيلتزم التصويت لمرشح الكتائب على حساب عبيد ـــــ صديقه المقرب. أما النائب محمد كبارة فلن يستطيع إقناع جمهوره بأن يقترعوا لمرشح الكتائب الغريب عن المدينة.
هكذا سيكون لسعادة في أحسن الأحوال مجموع أصوات مؤيّدي تيار المستقبل. وهم في طرابلس يكفون لإيصال عضو بلدية إلى المجلس البلدي، لا نائباً مارونياً إلى المجلس النيابي.
ويفترض بالمتشككين في الكلام السابق أن يتابعوا قليلاً ما كتبته الصحف الطرابلسية التي يموّلها الصفدي وميقاتي في الأيام القليلة الماضية.
وتخلى الجميّل عن حقِّه بترشيح كتائبيين في الشوف (طرح اسم جوزف عيد ابن بلدة بيقون، صديق وليد جنبلاط وواضع أسس المصالحة بين جنبلاط وحزب الكتائب، وقد كرّر جنبلاط مراراً الكلام الإيجابي بشأنه أمام الجميّل الذي لم يتلقف المبادرة ولم يطالب بترشيح كتائبي في الشوف، تاركاً الساحة للقوات والوطنيين الأحرار) وبعبدا على اعتبار أن مقعد عاليه الذي أعطي لفادي الهبر محسوم. لكن مرّة أخرى قد لا تكون نتيجة الصندوق كما يأمل الجميّل. فالهبر الذي كان مسؤولاً عن «أمن المجتمع المسيحي» في عاليه، أيام بشير الجميّل، له سجله العسكري الحافل في معارك الجبل.
وهذا لن يشجع كثيراً دروز عاليه لانتخابه في ظل انتقاد جنبلاط المستمر للانعزاليين، وخصوصاً أن هؤلاء سيجدون أن في مواجهة جنبلاط النائب السابق مروان أبو فاضل، القريب من «مير» التوافق طلال أرسلان، وابن آل أبو فاضل ـــــ العائلة الأرثوذكسية الأقرب تاريخياً إلى الدروز.
وفي سياق التسويات، قبل الجميّل التخلي عن ترشيح مسؤول الكتائب في جبيل، طنوس القرداحي، بسرعة خيالية، مقابل حفظ حقه بترشيح سجعان قزي في كسروان. هنا، يبدي أحد المتابعين ملاحظتين:
1ـــــ تبني قوى 14 آذار لقزي أمر مشكوك فيه حتى آخر لحظة، وخصوصاً أن هذه القوى تخلّت عن مرشحي التجدد الديموقراطي في المتن (نسيب لحود) وفي طرابلس (مصباح الأحدب) إرضاءً للكتائب. وبالتالي، ربما يكون صعباً التخلي عن آخر مرشحي التجدد كميل زيادة في كسروان، علماً بأن ثمة استحالة لجمع زيادة والقزي في لائحة واحدة، والنقطة الأساسية في قوة القزي كانت قربه من نعمة افرام، وانسحاب الأخير يفترض أن يؤثر سلباً في حظوظ ترشحه.
2ـــــ اختيار قزي لم يكن موفقاً من الجميّل الذي راعى مطلب ابنه سامي، الذي يحب القزي لحماسة الأخير للمبادئ الفيدرالية للجميّل الصغير. وهو، باختياره قزي، أغضب كتائبيين كثراً، في مقدّمهم شاكر سلامة وألكسندر رزق (يعمل اليوم مع القوات وحيثيته الخاصة تفوق حيثية القزي) ورئيس إقليم كسروان السابق روفايل مارون، مع العلم بأن فوز القزي في مواجهة لائحة العماد ميشال عون في كسروان يحتاج إلى أكثر من معجزة. وبموازاة وقوف قزي بمواجهة محدلة عون، يقف سعد الله عردو في بعلبك ـــــ الهرمل في مواجهة محدلة حزب الله بحثاً عن انتصار مستحيل. في معركة لا تقدم كتائبياً أو تؤخر بشيء.
بدوره، لا يبدو المرشح الكتائبي الخامس نديم الجميّل بعيداً، بحسب استطلاعات الأكثرية والمعارضة، عن اللحاق بالأربعة السابقين في حمل لقب المرشح الخاسر، مع العلم بأن ترشح الجميّل باسم الكتائب شكلي جداً (رغم مهماته الحزبية الكثيرة في الأشرفية)، وجاء ترشحه كأمر واقع لا نتيجة قرار حزبي.
أما في المتن وزحلة فتخوض الكتائب المعركة باللحم الحيّ نيابة عن كل قوى 14 آذار.
ورغم ذلك لم تعط في المتن إلا مرشحين، بينهما كاثوليكي حظوظ فوزه شبه معدومة. وفي زحلة حصلت الكتائب على مرشح واحد من أصل 7 رغم أنها الطرف الأكثر فاعلية.
هكذا، يتبيّن مع إعلان الجميّل أسماء مرشحيه أمس، أن الحزب المسيحي الأعتق يصارع للفوز بمقعدين بقوته (سامي الجميّل وإيلي ماروني)، وبثلاثة مقاعد إذا صدق حلفاؤه معه (الجميّل وماروني والهبر في عاليه)، وبأربعة مقاعد إذا صدق حلفاؤه وحلفاؤهم (الجميّل وماروني والهبر وسعادة في طرابلس).

خارج المدرسة... يترشّحون ويفوزون

إضافة إلى حسابات الجميّل التي قد لا تصيب، يتبيّن عشية إغلاق باب سحب الترشيحات، أن عدد المتخرجين من المدرسة والملتحقين بمدارس أو جامعات سياسية أخرى أو المعتكفين عن التعلم، في ظل القيادات المتعاقبة الواحدة الذين ينوون خوض المعركة، بات يفوق عدد الملتزمين البقاء في المدرسة القديمة.
ففي جزين، يتزعّم الكتائبي السابق إدمون رزق محاولة الأكثرية اختراق لائحة المعارضة. وفي الأشرفية، يخوض الكتائبي السابق مسعود الأشقر معركة ضد نديم الجميّل ـــــ المجدّد عضويته حديثاً في حزب الكتائب.
والمفارقة أن حظوظ الكتائبي السابق أكبر بكثير من حظوظ الكتائبي الجديد، حتى يكاد يكون الأشقر الكتائبي الوحيد الواثق من فوزه في الانتخابات الآتية. مع العلم بأن موقف الجميّل من الأشقر لم يحل دون بقائه رمزاً بالنسبة إلى كتائبيين كثر، من بينهم حرس بيت الكتائب المركزي في الصيفي الذين يحتشدون حول سيارة الأشقر كلما مرَّ بهم مساءً مطمئناً.
وفي الأشرفية أيضاً، يترشّح المسؤول الكتائبي والقواتي السابق، جورج فوريدس، عن المقعد الأرثوذكسي من دون مباركة الجميّل.
أما في المتن، فقد استبعد الجميّل مسؤول ماكينته في الانتخابات الفرعية التي خسرها قبل عامين، ميشال مكتف، الكتائبي السابق الذي نقل نفوسه إلى المتن رغبه منه في الترشح عن المقعد الكاثوليكي، وفضل الجميّل الإتيان بإيلي كرامة من الأشرفية إلى المتن.
أما العضو السابق في المكتب السياسي الكتائبي، فؤاد أبو ناضر، فيترشح في المتن من دون أخذ رأي حزبه السابق بعين الاعتبار.
أما بول الجميّل، الكتائبي السابق أيضاً، ففضل عدم الترشح بعدما تيقن صعوبة ترشحه على لائحة عون.
ومن المتن إلى كسروان، زحمة الكتائبيين غير الملتزمين قرار الحزب هي نفسها: شاكر سلامة يترشح رغم قرار حزبه ترشيح سجعان قزي. ابنا لويس أبو شرف، مارون وجوزف، يترشحان أيضاً. وجوزف الزايك يعلن أن قرار إكماله المعركة أو عزوفه في يد عون لا رئيس حزبه السابق أمين الجميّل.
وفي البترون، يكمل الكتائبي السابق نبيل رحيّم المعركة دون اكتراث لما يقرره الجميّل.
وينجح الحكيم يوماً بعد يوم في كسب صدقية أمام الرأي العام الكتائبي، فيما يبدو أن ميشال خوري، المرشح الكتائبي عن المقعد الماروني في طرابلس، مستمر في المعركة اعتراضاً منه على قرار حزبه نقل ترشيح سامر سعادة من البترون إلى طرابلس إرضاءً للقوات اللبنانية.
في النتيجة، ثمّة كلام كثير يحكى في صالونات الكتائبيين. هناك من يقول إن كلاماً جدياً قيل للرئيس الجميّل كي يخلق لنفسه حيثيّة سياسية مستقلة جديدة ويصنع من الكتائب حزباً للعهد.
وثمّة من يجزم بأن وسطاء حملوا رسائل واضحة إلى جنرال بكفيا السياسي يتعهدون بأن تكون حصته النيابية مميزة إذا أعاد تقويم بعض مواقفه. لكن ذلك كلّه صار شهادات ينتظر أهلها الوقت المناسب للإفراج عن تفاصيلها.
يبقى أن الكتائب، حزب أمين الجميّل، ضيّع فرصة ثمينة للعودة إلى الحياة السياسية من بابها الشعبي الواسع. فقد كان يمكن أن تكون الانتخابات مناسبة لتجدّد النشاط الكتائبي، لكن أمين الجميّل اختار غير ذلك: كتائبيو البترون سيلجأون إلى
القوات. وكتائبيو الكورة سيمشون مواكب خلف النائب فريد حبيب، رفيقهم السابق. وكتائبيو جبيل سيقدمون طلبات انتساب إلى عائلة سعيد. ثم يأتي أمين الجميّل ليعاتب القوات متذمّراً من سرقتهم الشهداء والمعتقلين.


غاب بيار وحضر «أصحاب الرسالة»ولم يذكر الجميّل، بحسب الكلمة التي نشر في الموقع الالكتروني للحزب، الشهيد بيار الجميّل. وتعليقاً على كلام جنبلاط الأخير، قال الجميّل إن المرحلة تقتضي التضامن والاستيعاب لتحقيق النصر.


نموذج عكاري للمقارنة
أسرار آبائهم وإخوتهمأما الاثنان الآخران فهما سرّا الشقيقين. سامي يتذكر بيار في كل جلسة، وإيلي يتذكر في كل مناسبة أيضاً، نصري، الذي اتّهم بقتله أنصار إيلي سكاف.

سامي ممتعض من جنبلاطوقال: «نفهم أن جنبلاط أدلى بهذا الحديث في مجالس خاصة، لكننا في مجالسنا الخاصة نحاول تقريب اللبنانيين بعضهم من بعض».