في الوقت الذي عرف فيه النائب هاشم علم الدين كيف يفرض نفسه على لائحة تيار المستقبل في المنية ــ الضنيّة بعد مفاوضات وعرض عضلات، لم يستطع النائب مصباح الأحدب أن يُحافظ على موقعه
طرابلس ـــ عبد الكافي الصمد
عبرت لائحة 14 آذار في دائرة المنية ـــ الضنية مخاضاً عسيراً قبل أن تبصر النور على النحو الذي أُعلنت به، بعد تجاذبات واتصالات مكثفة وصلت إلى ذروتها في الساعات والدقائق الأخيرة التي سبقت المهرجان الذي حضره النائب سعد الحريري، وأفضت إلى إبقاء النائب هاشم علم الدين في اللائحة، واستبعاد المرشح بسام الرملاوي عنها، بعدما كانت أسهمه هي الأكثر ارتفاعاً في اليومين الماضيين بدخولها.
وبدا واضحاً أن الحريري لم يكن يملك هامشاً كبيراً من حرية التحرك والتصرف في إعلانه لائحة المنية ـــ الضنية بالقدر نفسه الذي كان عليه في دائرة عكار، التي استطاع فيها أن يستبدل أربعة نواب من سبعة دفعة واحدة، وهم النواب مصطفى هاشم وعزام دندشي ومحمود المراد (سنّة) وعبد الله حنا (روم أرثوذكس)، بعدما كان قد سبقهم بالابتعاد عن تيار المستقبل من تلقاء نفسه النائب مصطفى علي حسين (علوي)، لينضم لاحقاً إلى لائحة المعارضة التي أعلنت منذ أيام.
وقد اعتمد الحريري في لائحته الجديدة في عكار على وجوه بعضها قديم جدد نفسه، كالنائب السابق خالد ضاهر (سني)، وآخرين يأملون أن يكون ورود أسمائهم على لائحة المستقبل مقدمة لدخولهم المجلس النيابي للمرة الأولى، وهم: خالد زهرمان ومعين المرعبي (سنّة)، ونضال طعمة (روم أرثوذكس) وخضر حبيب (علوي)، فيما لم يبق من النواب السابقين سوى رياض رحال (روم أرثوذكس) وهادي حبيش (ماروني).
لكن الضغوط التي واجهها الحريري في دائرة المنية ـــ الضنية اضطرته الى إبقاء القديم على حاله في هذه الدائرة، فلم يستطع بسببها أن يُدخل إلى لائحته أسماءً كان قد وعد أصحابها.
ففي الضنية التي تتمثل عادة بسبب العرف بمقعدين، نظراً لتفوقها الديموغرافي على المنية، كان الثابت الوحيد في اللائحة هو النائب أحمد فتفت، فيما دار صراع مرير حول اسم المرشح الثاني، وكان أبرز الطامحين إليه النائب قاسم عبد العزيز والنائب السابق أسعد هرموش والمرشح هيثم الصمد.
ومع أن المرشح الصمد كان يعتمد أساساً على تسويق فتفت له لدى الحريري، فإنه انطلق في ترشحه من سعي فتفت لإحداث انشقاق في صفوف عائلة الصمد وبلدة بخعون، كبرى بلدات الضنية، بما قد يسهم في محاصرة النائب السابق جهاد الصمد في عقر داره، والحؤول دون احتمال خرقه اللائحة.
في موازاة ذلك، كان هرموش يعوّل على حصول تحالف بين الجماعة والمستقبل لدخول لائحة 14 آذار، وكان يرى أن حظّه في ذلك أكبر من حظّ رفاقه الآخرين من مرشحي الجماعة، إلا أن وصول المفاوضات بين الحريري والجماعة إلى الحائط، دفعه في نهاية المطاف إلى الاستعداد لخوض المعركة الانتخابية في وجه المستقبل تحديداً.
أما عبد العزيز فإن دخوله اللائحة كان نتيجة تسوية عقدت بين الحريري والوزير محمد الصفدي، على شاكلة ما حدث في انتخابات 2005، إذ اشترط الصفدي قبل السير في تحالفه مع المستقبل والرئيس نجيب ميقاتي في طرابلس، إعطاءه مقعداً ثانياً كان قد ترشح له نقيب المحامين السابق في طرابلس والشمال فادي غنطوس، إلا أن «الفيتوات» التي وضعها عليه بعض نواب المستقبل، وإعلانه انسحابه لاحقاً، دفعا الصفدي إلى البحث عن بديل. وفيما كان المرشح عن المقعد الأرثوذكسي، أنطوان حبيب، هو الأبرز، جاءت الانتكاسة الصحية للنائب موريس فاضل وتعاطف الحريري معه، ليعيدا نجله روبير فاضل إلى اللائحة بعد اتصالات ومساعٍ بذلت على أكثر من خط، فكان اللجوء إلى اعتماد الحل القديم ـــــ الجديد باعتماد عبد العزيز ضمن لائحة 14 آذار في المنية ـــــ الضنية، تعويضاً للحد الأدنى المقبول لدى الصفدي، في تسوية أتت على حساب المرشحين الآخرين.
غير أن الوضع في المنية كان مختلفاً، إذ أدى الارتباك الذي وقع فيه الحريري نتيجة تردده في حسم خياره مسبقاً، والشائعات التي فتحت بازار اللائحة على احتمالات شتى، إلى جعل أكثر من مرشح يدخل اللائحة لساعات ثم يخرج منها ليدخلها مرشح آخر لساعات أيضاً، ما جعل المشهد السياسي ـــــ الانتخابي في المنية يغلي بصورة غير مسبوقة في تاريخها، وكاد التصادم السياسي بين عائلاتها الرئيسية يحدث، لو لم يعمل سعاة خير ووسطاء على نزعه في اللحظات الأخيرة.
وبقيت الأمور على تعقيداتها، حتى قبل إعلان اللائحة بساعات، بسبب رفض النائب هاشم علم الدين المشاركة في حفل الغداء الذي أقامه فتفت في منزله في بلدة سير ـــــ الضنية على شرف الحريري، وكذلك رفض سحب ترشيحه لمصلحة المرشح بسام الرملاوي، ودفعه ذلك إلى إصدار بيان نفى فيه «الشائعات التي سرت في المنية، التي يراد منها تشويه السمعة والتأثير على الموقف، الذي اتخذته بخصوص الانتخابات النيابية المقبلة، ومفادها أنني اخترت الرملاوي مرشحاً على مقعد المنية على لائحة المستقبل، وهذا القول عارٍ من الصحة إطلاقاً، والصحيح أنه عندما طلب مني الحريري أن أعزف عن الترشح، أرجعت القرار إلى أهالي المنية، وتركت لهم اختيار من يختاره هو ويسميه، ولو أنه سألني من تختار لمقعد المنية لقلت له أن يختار هاشم علم الدين، وغير ذلك فكل ما يقال ويشاع فهو غير صحيح ويراد منه الفتنة وإضعاف الموقف».
ودفع ذلك التأزم في الموقف، الحريري إلى إيفاد مستشاره نادر الحريري للقاء علم الدين في منزله قبل نحو ساعة من موعد إعلان اللائحة، حيث تجمّع المئات من أنصاره في محيط منزله الذي لا يبعد أكثر من 200 متر عن مكان الاحتفال في ملعب مدرسة النبي كزيبر، في خطوة ضغط مدروسة أثمرت في النهاية عودته إلى اللائحة، وسط إجراءات أمنية استثنائية جرت في محيط المكان في تدبير احترازي، بعدما كانت الأجواء قبل ذلك متشنجة إلى أبعد الحدود.
وبعد إنجاز التسوية بهذه الطريقة، التي لن تعرف تداعياتها وردود الفعل عليها من المرشحين الآخرين قبل مرور بعض الوقت، لكون هذه الدائرة ترشح عنها 40 مرشحاً عن 3 مقاعد، ما جعلها تسجل النسبة الأعلى في الشمال، ألقى الحريري كلمة أكد فيها أن «لائحة المستقبل» ستواصل مسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الضنية والمنية، مشيراً إلى أن المنية والضنية «تتكاملان في الوفاء والولاء لمسيرته، ولمشروعه، مشروع الدولة في لبنان، مشروع عروبة لبنان، وديموقراطيته وحريته وسيادته واستقلاله».
ورأى الحريري أن «المنافسة الديموقراطية الانتخابية التي نواجهها إنما هي معركة سياسية قبل كل شيء، ومعركة بين خيارين»، لافتاً إلى أن يوم 14 آذار 2005، جاء «لننهي بإرادتنا ونضالنا زمن الوصاية على قرارنا الوطني وزمن التسلط والفساد والإفساد، وزمن تزوير قضايانا الوطنية والقومية، وعلى رأسها قضية فلسطين، لمصالح لا علاقة لها من قريب أو بعيد بلبنان، ولا بفلسطين، ولا بالعرب والعروبة».
وأكد الحريري أنها «معركة سياسية، وليكن خياركم فيها واضحاً. وهذه مناسبة، لأتطرق أمامكم، إلى من يحاولون تزوير إرادتكم، عبر طرح أنفسهم أمامكم بعكس ما هم عليه. أنا أسألكم، بالله عليكم، أين يكون هذا الذي اتهم رفيق الحريري بالخيانة قبل أن تمتد يد الغدر والإجرام لاغتيال هذا الكبير الكبير من لبنان؟ أين يكون هذا الذي لم يترك مناسبة بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري إلا وأعلن انحيازه إلى 8 آذار؟».
وما إن انتهى الحريري من إعلان لائحة المنية ـــــ الضنية حتى انتقل إلى فندق كواليتي ـــــ إن في طرابلس للمشاركة في إطلاق «لائحة التضامن الطرابلسي»، التي ثُبِّتَت قبل أيام في حفل جماهيري حاشد ضاق به المكان والشوارع والساحات المجاورة، وضمت الرئيس نجيب ميقاتي، الذي تلا أسماء المرشحين: الوزير محمد الصفدي، والنائبين سمير الجسر ومحمد كبارة والنائب السابق أحمد كرامي (سنّة)، النائب بدر ونوس (علوي)، روبير فاضل (روم أرثوذكس) وسامر سعادة (ماروني). وإذ اتسم إطلاق لائحة التحالف الثلاثي بـ«هدوء سياسي» معبّر، سادت مخاوف من احتمال انفلات الوضع الأمني في طرابلس على خلفية التباين الحاد في التعاطي مع مسألة المقعد العلوي على وجه التحديد.
فبعدما أوقف الجيش اللبناني 4 أشخاص في حادثة إطلاق النار من أنصار المرشح محمد سليمان، بعد استبعاده عن لائحة المستقبل في عكار، سادت أجواء توتر كبير على خطوط التماس بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة في اليومين الماضيين، تجاوزت التلاسن ووصلت إلى حد التراشق بالحجارة وإطلاق الرصاص، ما استدعى تدخلاً قوياً من الجيش لإعادة الاستقرار إلى المنطقتين اللتين شهدتا حركة نزوح كبيرة للأهالي، بعد بروز امتعاض علوي على ما اعتبروه «فرض مرشح عليهم لا يعكس روحية المصالحة التي جرت في شهر أيلول الماضي، ورعاه الحريري والرئيسان فؤاد السنيورة وعمر كرامي وفاعليات سياسية»، كما أشارت لـ«الأخبار» مصادر في الحزب العربي الديموقراطي، وأضافت: «لن ننجرّ إلى الفتن التي يسعى البعض إلى اختلاقها لأهداف انتخابية لا علاقة لها بمصلحة طرابلس وأهلها، وإن حقوقنا السياسية سنحصل عليها بالسياسة». وأبلغ مصدر أمني «الأخبار» أن «إجراءات أمنية مشددة اتخذت في المنطقتين، وأن الجيش سيضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه تعكير الأمن»، مشيراً إلى أن «تعزيزات عسكرية إضافية وصلت إلى طرابلس لهذا الغرض».
وقال ميقاتي إن أعضاء اللائحة توافقوا على العمل من أجل «الدولة السيدة القوية الحديثة العادلة، الدولة القادرة على صيانة الحقوق، الدولة التي تلتزم الدفاع عن سيادتها واستقلالها وقرارها، وتعمل شعباً وجيشاً ومقاومة على تحرير ما بقي من أرضها في الجنوب الغالي تحت الاحتلال الإسرائيلي».
بدوره، تمنى الحريري أن يستمر التضامن بين أعضاء اللائحة إلى ما بعد السابع من حزيران. أمّا الصفدي، فطالب الطرابلسيين بأن «يجعلوا من 7 حزيران موعداً للذين يريدون أن تكون طرابلس أولاً وأن يكون لبنان أولاً».
انتخابياً، في تطوّر يشير إلى إمكان حصول تشطيب في اللائحة الثلاثية، أكد المكتب الإعلامي للنائب مصباح الأحدب استمراره بالترشح للانتخابات النيابية، وسيعلن برنامجه في الأيام المقبلة.