حـرب أوّل «حاجبـي الثقـة» والسنيـورة «يفتعـل» مشكلـة برفـض توزيـر قانصـو وعـودة الاشتبـاكات إلى طرابلـس
الأجواء التفاؤلية التي أشاعتها مصادر قريطم حيال إعلان قريب للتشكيلة الحكومية، اصطدمت بتوتر أمني في طرابلس أعاد الى الأذهان محاولة جهات قريبة من فريق الموالاة توتير الوضع الامني ردّاً على الوضع السياسي القائم في بيروت. وبينما تضاربت المعلومات عن طبيعة التفاهمات التي قيل إن النائب سعد الحريري قد أنجزها مع قوى 14 آذار، كان الرئيس المكلف فؤاد السنيورة يلجأ الى «مناورة» احتياطيّة تسمح بإعادة ربط العرقلة بفريق المعارضة من خلال إعلانه رفض توزير الرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو في الحكومة. وذلك رغم أن السنيورة وعد الرئيس ميشال سليمان بحل كل المشاكل قبل يوم الجمعة لكي يسافر رئيس الجمهورية الى فرنسا والحكومة قد ألفت.

مشكلة الموالاة

ومنذ عودته فجر امس، واجه الحريري مجموعة عقد تخص تمثيل فريق الموالاة: الأولى تخصّ التمثيل السنّي، إذ تبلّغ الحريري أن الوزير محمد الصفدي لن يقبل بغير حقيبة الأشغال، وأبلغته ماكينته الانتخابية في طرابلس أن خروج الصفدي من 14 آذار سوف يضعف الموقف الانتخابي في عاصمة الشمال. ولم يتمكن الحريري من إيجاد مبرّرات كافية لإقناع الوزير الطرابلسي بتسلم حقيبة الاقتصاد بدلاً من الأشغال، رغم أن مقربين منه تحدثوا عن استمرار المساعي وعن طلب الحريري مساعدة سعودية لإقناع الصفدي.
وهذه المشكلة تنسحب على أخرى تبدو أقل تعقيداً، وهي تخصّ كتلة النائب وليد جنبلاط الذي يطالب بالأشغال. وبحسب مصدر نيابي مطلع، فإنّ الحريري يستند الى رغبة جنبلاط في تسهيل الأمور.
الأمر الآخر يتعلق بالمقعد الماروني الذي يريده الحريري للنائب السابق غطاس خوري. وقد حصلت مداخلات كثيرة دفعت بمصدر رسمي الى الحديث عن احتمال قوي ببقاء الوزيرة نايلة معوض وسحب خوري، على أن تحصر المشكلة في تمثيل «القوات اللبنانية» بعد بت الأمر بإعطاء حقيبة السياحة لمرشح الكتائب إيلي ماروني.
وإذ طالبت «القوات» بإحدى حقيبتي الأشغال أو العدل، فإن الحريري والسنيورة تحدثا صراحة عن صعوبة تولي سمير جعجع نفسه أو أي ممثل مباشر له لوزارة العدل، وأن مشكلة الأشغال تنسحب على عقد أخرى تخصّ جنبلاط والصفدي. ولم يتضح نوع العلاج، علماً بأن الحقائب التي لا تزال شاغرة ظلت محصورة بوزارات لا يعدّها جعجع أساسية أو خدماتية، من دون إقفال الباب أمام حل في الساعات المقبلة.
وقد عقدت ليل امس اجتماعات كثيرة بين ممثلي فريق الموالاة، سبقتها زيارتان للنائب الحريري الى السرايا الكبيرة ومعراب، من أجل التوصل الى حل، دون إعلان نتائج استثنائية غير الإيحاء بأن الأمور ليست معقدة الى حد يصعب معه الحديث عن حل.
وكان اللافت أمس البيان الذي أصدره النائب بطرس حرب والذي أعلن فيه عدم رغبته في «المشاركة شخصياً» في حكومة «الأضداد والخلافات». وشنّ حملة على العماد ميشال عون دون أن يسمّيه محمّلاً إياه مسؤولية «ممارسات تتعارض مع الديموقراطية والنظام البرلماني وتكرّس أعرافاً دستورية جديدة تؤدي إلى الرضوخ لمحاولات القوى والأحزاب السياسية فرض نوعية الحقائب الوزارية التي تريدها وحتى أسماء المرشحين لتولي هذه الحقائب».
وذكرت مصادر مطلعة أن حرب قرّر عدم منح الحكومة الثقة، وأنه بدأ يعد العدة لسلسلة من التحركات والمواقف التي تعطيه هامش مناورة أوسع، ولو اضطره الأمر الى الابتعاد أكثر عن فريق 14 آذار. وهو يخشى انعكاس الخلافات القائمة بين قواها المسيحية على التحالفات الانتخابية في منطقته.

توزير قانصو

وفي سياق «مناورة» بدأها الرئيس السنيورة لإعادة تحميل المعارضة مسؤولية عرقلة الحكومة، بادر الرئيس المكلف الى إبلاغ رئيس الجمهورية أنه غير موافق على توزير الرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو، معتبراً أن هذه الخطوة تأتي خارج التفاهمات السياسية وتمثّل استفزازاً له ولكثيرين في الحكومة. ولكنه قال لسليمان إنه لم يتبلغ رسمياً بالأمر. ثم عمد الى إطلاق تصريح بهذا المعنى بعد خروجه من القصر الجمهوري. وبعد وصوله الى مكتبه، كان الرئيس نبيه بري قد وضع في أجواء ما أعلنه السنيورة فعمد الى الاتصال به في حضور عدد من ضيوفه وقال له: لقد أبلغتك سابقاً وها أنا أبلغك مجدّداً بأسماء وزراء المعارضة والحقائب. وأورد له اسم قانصو. فردّ السنيورة بأنه لا يوافق على ذلك لأنّه لا يتّفق معه لا هو ولا آخرون من الحكومة. وكرر أن حزب الله لم يبلغه رسمياً بالامر، موضحاً أنه عندما استقبل المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل لم يسمع منه سوى اسم الوزير محمد فنيش. فرد بري: ولكنه قال لك إن بقية الاسماء سوف تصل مني وأنا أوصلتها إليك، وها أنا أكرر الأمر. وفي وقت لاحق طلب الرئيس بري من قيادة حزب الله المبادرة الى الاتصال بالرئيس السنيورة وإبلاغه اسم قانصو، وهو ما حصل، لكن الرئيس المكلف كرّر رفضه.
وقالت أوساط في المعارضة إنها لا تريد جر البلاد الى مشكلة إضافية، ولكن ذلك لا يتيح لأحد في الفريق الآخر أن يضع فيتو على تسمية أي وزير، وأوضحت أن غالبية قوى المعارضة لا ترتاح الى العلاقة مع الرئيس السنيورة نفسه، وهي لم تضع فيتو على إعادة ترشيحه لرئاسة الحكومة. كما أنها عندما سمعت برغبة سمير جعجع في أن يدخل الحكومة بنفسه لم تفعل أي شيء، رغم أنه يستفز غالبية اللبنانيين، كما لم تتدخل في تسمية فريق الموالاة للوزير الشيعي السادس الذي استُبدل بالوزير طلال أرسلان.
وبينما لم يحسم فريق الموالاة تسمية مرشحه الشيعي، تردد أن رئيس الحكومة لا يزال يعارض ترشيح النائب الحريري للدكتور غازي يوسف، ويفضّل ترشيح سيدة كانت تعمل موظفة بارزة في إحدى الإدارات العامة، وإن كان قد لمّح الى احتمال توزير إبراهيم محمد مهدي شمس الدين أو مفتي صور السابق السيد علي الأمين، وذلك في معرض الرد على تسمية الوزير قانصو، علماً بأن المعارضة ولا سيما الثنائي الشيعي لم تعلق على هذه الطروحات. وقال قيادي في حزب الله إن «المعارضة لن تتدخل في ترشيحات فريق الموالاة للحكومة بمعزل عن انتمائهم الطائفي».

طرابلس

وليلاً، انفجر الوضع الامني في منطقة باب التبانة ـــــ جبل محسن وتجدّدت الاشتباكات بعدما ألقى مجهولون قنبلة يدوية في منطقة متداخلة سكانياً، وأتبعوها بإطلاق قذيفة إنيرغا، فدبّ الذعر واستنفرت المواقع وبدأ تبادل لإطلاق النار، بينما كانت القوى التي تمسك بالأرض وخاصة من أطراف المعارضة، والأطراف المحايدة في باب التبانة تعيش حالة من الاسترخاء على خلفية المعلومات الإعلامية المتفائلة بقرب تأليف الحكومة.
وسادت حالة الهلع في صفوف المواطنين في المنطقة، وبدأت عمليات الهروب من المساكن الواقعة على خط التماس ما بين التبانة وجبل محسن، وأفيد عن سقوط عدد من الجرحى بينهم عناصر من الجيش ومدنيون في بعل محسن. وتدخلت الجهات كافة لمنع توسع الاشتباكات وإعادة الهدوء.