لا يزال الموضوع الحكومي يراوح مكانه بين نقطتي جذب هما موقفا رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون اللذين يتشبّث كلٌّ منهما بالحصول على حقيبة الدفاع الوطني. وبينما تحدثت مصادر قصر بعبدا عن حال جمود وانتظار الى حين حلحلة الخلاف على حقيبة الدفاع، لاحظت مصادر سياسية أن مفاجأة عون الوسط السياسي بمطالبته بتعديل صلاحيات رئيس الحكومة أتت لتصوّب وجهة الخلاف القائم حول تأليف حكومة الوحدة الوطنية، وهو أن الخلاف ليس بين سليمان وعون، من دون تقليل التباين في الرأي بينهما، بل بين عون والمعارضة من جهة وقوى 14 آذار التي عملت على مناورة سياسية قضت بإخراج نفسها من الخلاف وتصويره كأنه بين الجنرالين اللذين التقيا الاثنين أكثر من ساعتين، لاحظ رئيس الجمهورية، كما أسرّ الى معاونيه، على أثرهما، أن الحوار يحتاج الى متابعة.وخلافاً لما عكسته ظاهراً نتائج هذا اللقاء، فإن سليمان لا يزال يرى الأبواب مفتوحة على التوصل الى حل للمأزق الحكومي. وهو على اتصال يومي بكل الأفرقاء سعياً الى تذليل الخلافات القائمة على التشكيلة الحكومية.
وسجلت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية مآخذ على ما سمّته تراجع السنيورة عن واجهة الحدث عوض أن يكون في صلبها. ذلك أنه معني بإرسال تركيبة حكومية الى رئيس الجمهورية للتوافق عليها، إلا أنه استعاض عن هذا المخرج بأن أرسل صيغتين حكوميتين الى العماد عون. والى الآن، لا يزال رئيس الجمهورية ينتظر تصوّر السنيورة للتركيبة الحكومية الجديدة.
وبحسب المصادر نفسها، فإن الموالاة تعارض إعطاء عون حقيبة سيادية، وتحاول الظهور بمظهر المدافع عن موقف رئيس الجمهورية من التركيبة الحكومية، وقد تبنّى الرئيس المكلف فؤاد السنيورة تسويق وجهة النظر هذه.
إلا أن مطالبة عون بتعديل صلاحيات رئيس الحكومة وفصل صلاحية التنفيذ عن صلاحية المراقبة التي يمسك بها، أبرزت أن المشكلة بين الموالاة والمعارضة تتجاوز تأليف الحكومة الى حجم الصراع على السلطة والصلاحيات. وكان كلام عون عن ارتباط مؤسسات رقابية وإدارية برئاسة الحكومة قد استدعى رداً من الرئيس نجيب ميقاتي تمنّى على العماد عون أن «لا يثير مثل هذه المواضيع في هذا الظرف الحسّاس الذي يمر به الوطن، وان صلاحيات رئيس الحكومة ليست حالياً، ولن تكون مستقبلاً، موضع بحث أو إعادة نظر، لأن في مثل هذه الخطوة مساساً واضحاً بميثاق العيش المشترك».

رايس

إلى ذلك، يبدو أنّ الزيارة المفاجئة لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس لبيروت، حملت رسائل عدة قد تظهر في المرحلة المقبلة. وأفاد مصدر في الأكثرية أنّه خلال اجتماع رايس بأركان 14 آذار في قريطم، كان لموضوع مزارع شبعا حصة الأسد في اللقاءات، وأنّ رايس «بادرت بالتحدث عن هذا الموضوع». وأكدت رايس للمجتمعين أن الأميركيين طالبوا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتسريع عملية مسح الحدود بين لبنان وسوريا وإسرائيل وترسيمها بـ«هدف تمكّننا من تنفيذ عملنا»، كما نقل المصدر عن رايس، وأنّ عبارتها إشارة إلى ضغط أميركي قد يمارس على إسرائيل للانسحاب من شبعا. واكد أنّ الضغط على إسرائيل أتى بصيغة مبطّنة، مشدداً على أنه في ما يخص شبعا، فإن الأراضي لن تعطى إلى لبنان بل ستوضع تحت وصاية الأمم المتحدة حتى يُبتّ أمرها على اعتبار أنه لا يمكن ضمّ مزارع شبعا إلى القرار 425، وهو موقف تؤيّده الحكومة اللبنانية.
ونقلت إحدى الشخصيات التي حضرت لقاء قريطم عن رايس قولها إن المحادثات الإسرائيلية ـــــ السورية أفقدت الإسرائيليين أيّ مبرّر للتمسك بمزارع شبعا «ما يدعو إلى التفاؤل بأنه يمكن وضع هذه الرقعة تحت إشراف قوات الأمم المتحدة الى حين ترسيم الحدود والانتهاء من هذه المسألة»، مشيرةً إلى وجود قناعة وجدية أميركية لمعالجة هذا الموضوع.
ونفت مصادر في الأكثرية أن تكون رايس ربطت ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بأي خطوة سياسية على الحكومة والفريق الموالي اتّخاذها، وشدّدت على أن الوزيرة الأميركية أضفت جواً من التفاؤل حيال الأوضاع في لبنان والمنطقة. وأشارت رايس إلى وجود نقاش عميق مع الفرنسيين في موضوع العلاقات الفرنسية ـــــ السورية، مشددةً على أنّ الموضوع في غاية الأهمية وهو محصور في مسألة الاتحاد من أجل المتوسط، لتعود وتؤكد أنّه لا شيء سيكون على حساب لبنان والمحكمة الدولية. ثم انطلقت إلى ملف المفاوضات السورية ـــــ الإسرائيلية مشيرةً إلى ضرورة مجاراة اللبنانيين، وخاصةً الحكومة، لما يحصل في محيطهم العربي في إشارة إلى أنّ المرحلة المقبلة ستكون مرحلة التسويات والتنازلات المتبادلة، وملمّحةً إلى أهمية بدء مفاوضات، ولو غير مباشرة، مع الإسرائيليين، بحسب المصدر في الأكثرية.
وفي ما يخص الوضع اللبناني وحال الفريق الأكثري، شدّدت رايس على تمسّك الإدارة الأميركية بـ«شركائها السياديين والديموقراطيين في لبنان»، مؤكدةً تواصل الدعم الأميركي لفريق 14 آذار الذي لا يزال يحافظ على مشروعه في بناء دولة سيادية قويّة رغم كل التهديدات الأمنية التي يواجهها، داعيةً إلى تمسك هذا الفريق بمشروعه على أنه الطريق الوحيد لمواجهة المشاريع الظلامية في المنطقة.
أما الصيغة الوحيدة التي ذكرت فيها المحكمة الدولية فهي التشديد على «وجود إرادة دولية واضحة بسير هذا الملف واستكماله حتى اللحظة الأخيرة»، مؤكدةً أن لا شيء سيكون على حساب لبنان والمحكمة.