تحرير القنطار ورفاقه وأسرى فلسطينيّين وتسليم جثماني يحيى سكاف ودلال المغربي وإغلاق مقبرة المقاومين
يستطيع كل لبناني وعربي أن يعيش فرحة انتصار جديد تنتزعه المقاومة من إسرائيل وتحقق فيه «وعدها الصادق» بتحرير أسراها. إلا أن مشاعر أيٍّ من الفرحين لن تتمكن من اللحاق بروح سمير القنطار أمس وهي تحلق في سماء الوطن تستشرف درب العودة إلى الربوع من رحلتها الطويلة.
كان سمير ورفاقه المقاومون على موعد مجنّح مع الحرية، وابتداءً من أمس بات بالإمكان احتساب الفترة الفاصلة عن لقائهم بها بالأيام، لا بالأسابيع والأشهر، عدا عن السنين التي استوفت من عمرهم وراء القضبان أكثر مما يجب.
يعود سمير ورفاقه في عملية تبادل، أقرّت الحكومة الإسرائيلية، بغالبية ساحقة أمس، الصفقة التي ستتم بموجبها، والتي تشمل إطلاق أسرى فلسطينيين، وذلك انسجاماً مع دعوة رئيسها، إيهود أولمرت، وفي ظل تباين التوصيات بين قادة المؤسسة الأمنية، ووسط تقديرات بأن آلية التنفيذ ستخرج إلى حيّز الفعل في غضون أسبوعين حداً أقصى.
وفي مقابل ثلاثة معترضين، صوّت 22 وزيراً إسرائيلياً، في ختام نقاش دام ستّ ساعات وشهد تجاذبات رجحت كفتها لمصلحة المؤيدين، على قرار تضمّن تفاصيل الصفقة، التي كُشف عنها رسمياً للمرة الأولى، وترافق مع تأكيد أولمرت أن «إسرائيل ستعرف حزناً لا يوازيه سوى الإحساس بالذل نظراً الى الاحتفالات التي ستقام في الطرف الآخر» اللبناني.
وعلم أن الصفقة، التي يقوم الوسيط الألماني غيرهارد كونراد الآن بإعداد الجانب التنفيذي منها بالتشاور مع بيروت وتل أبيب، ستنفذ من خلال معبر الناقورة الحدودي، وستكون على الشكل الآتي:
يقوم الوسيط الألماني، بمعاونة الصليب الأحمر الدولي وقوات الأمم المتحدة، بتسهيل تسلم الجنديين الأسيرين من رئيس لجنة الارتباط في حزب الله الحاج وفيق صفا، إضافة الى صندوق يحوي بقية أشلاء جنود العدو الذين قتلوا في العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وذلك بعدما يكون كونراد قد تلقى من قيادة حزب الله تقريراً مكتوباً يحوي كل الخطوات التي قام بها الحزب في معرض بحثه عن مساعد الطيار المفقود رون أراد. وهو تقرير يفترض أن يتضمّن تفاصيل تخص عملية البحث والتحقيقات التي جرت في أمكنة مختلفة ومع أشخاص مختلفين في لبنان وخارجه، وينتهي الى نتيجة سلبية لعدم القدرة على التوصل الى تحديد مصير الملاح الإسرائيلي الآن.
في المقابل، تسلم إسرائيل الجهات الدولية الأسرى اللبنانيين الخمسة، يتقدمهم سمير القنطار، بينما تنقل شاحنات تابعة لجيش العدو جثث نحو مئتي شهيد كانوا قد دفنوا في «مقبرة الأعداء» في شمال فلسطين المحتلة. وهؤلاء الشهداء سيوضّبون في صناديق يحتوي بعضها على معلومات تفصيلية عن تاريخ ومكان استشهادهم، وأخرى لا تحمل معلومات مفصلة أبداً، وهناك عدد من الشهداء يوضعون مع أسمائهم بعد التعرف عليهم.
وعُلم أن الجانب الإسرائيلي يقرّ في هذه الصفقة بأن الأسير يحيى سكاف ليس على قيد الحياة، وأن جثمانه دفن مع آخرين كانوا في المجموعة الفدائية نفسها التي نفّذت الهجوم في هذه المقبرة، وبالتالي فإن رفات سكاف سيكون ضمن مجموعة الشهداء. ويفترض أن تجرى فحوص للتثبت من هويته ومن هويات آخرين من الشهداء الذين سبق أن سقطوا في مواجهات مع قوات الاحتلال في جنوب لبنان أو داخل فلسطين المحتلة، وذلك خلال العقود الثلاثة الماضية.
وحسبما هو متفق عليه، فإن إسرائيل ستغلق هذه المقبرة، وستسلم كل ما فيها من جثامين شهداء الى حزب الله، ومن بين هؤلاء المقاومة دلال المغربي، التي قادت مجموعة فدائية ضمّت لبنانيين وفلسطينيين بينهم سكاف ونفّذت هجوماً جريئاً داخل فلسطين المحتلة عام 1978.
كذلك ستسلّم إسرائيل الوسيط الألماني تقريراً مفصّلاً عن كل التحقيقات التي قامت بها لتحديد مصير الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة الذين خطفتهم ميليشيات الكتائب عند حاجز البربارة على أثر الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. وبحسب بعض المصادر، فإن إسرائيل تقدم في التقرير معلومات تشير الى أن الدبلوماسيين لم يصلوا قطّ إلى إسرائيل، وأن المرجح هو أنهم قتلوا على أيدي ميليشيات الكتائب ودُفنوا في مكان ما في بيروت.
الصفقة التي عدّ أولمرت الثمن المدفوع فيها «باهظاً» كسرت حلقاتٍ سعت إسرائيل إلى تكريسها كثوابت في عمليات التبادل عموماً. من هذه الحلقات عدم الإفراج عن أسرى أحياء في مقابل أموات، كما هي حال جندييها الأسيرين لدى المقاومة، بحسب التقديرات الطبية والاستخبارية الإسرائيلية، إضافة إلى عدم إطلاق سراح «أسرى أيديهم ملوّثة بدماء اليهود»، كما هي حال القنطار المحكوم بخمسة مؤبدات لمشاركته في قتل خمسة مستوطنين صهاينة في عمليته البطولية، ومنها أيضاً عدم الإفراج عن أسرى فلسطينيين في أي صفقة مع حزب الله تحاشياً لمنحه نصراً معنوياً في الشارع العربي.
ويبدو أن النصر الوحيد الذي تروّج إسرائيل أنها حققته في الصفقة، هو تمكّنها من «انتزاع» قرار الاستفراد بتحديد عدد وهويات الأسرى الفلسطينيين الذين وافقت على إطلاق سراحهم ضمنها، كما رأى نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، حاييم رامون، فضلاً عن جعل الإفراج عنهم مرحلة ثانية يفترض أن تنفذ بعد خمسة وعشرين يوماً من إنجاز المرحلة الأولى التي يتوقع أن تخرج إلى حيّز الفعل في غضون اثني عشر يوماً من توقيع الأفرقاء في بيروت وتل أبيب على الاتفاق، وهو الأمر الذي يرجّح حصوله خلال أيام، كما أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية.