باريس ــ بسّام الطيارةواشنطن ــ محمد دلبح

بدا أمس أن التناقض بات يحكم السياستين الأميركية والفرنسية تجاه سوريا بعد اتفاق الدوحة اللبناني، مع بدء تواصل على أرفع مستوى بين باريس ودمشق، فيما لا تزال واشنطن مصرّة على ممارسة المزيد من الضغوط على العاصمة السوريّة، هذه المرّة عبر بوابة الوكالة الدولية للطاقة الذريّة.
ووفى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أمس، بتعهده إعادة العلاقة مع سوريا إذا سهّلت اتفاقاً في لبنان، وها هو بعد أسبوع تماماً على توقيع اتفاق الدوحة يتصل بالرئيس السوري بشار الأسد ليشيد «بجهود الأسد الحثيثة من أجل إنجاح اتفاق الدوحة بين الأفرقاء اللبنانيين»، بحسب بيان لكل من الرئاسة الفرنسيّة ووكالة الأنباء السوريّة «سانا»، التي أضافت أنّ الرئيس الفرنسي «أعرب عن رغبته في إعطاء زخم أكبر للعلاقات بين فرنسا وسوريا وخصوصاً في المجالين السياسي والاقتصادي ودعم التنسيق بين البلدين في مشاريع مشتركة».
وبحسب وكالات الأنباء، فإن ساركوزي عبّر أيضاً في مكالمته عن «تأييد بلاده لاستعادة سوريا لجميع حقوقها»، قبل الإعلان عن الاستعدادات لدفع عملية السلام في المنطقة، في إشارة «إلى مفاوضات السلام غير المباشرة» التي بدأتها دمشق مع تل أبيب عبر أنقرة. معلومات لمّحت إليها الرئاسة الفرنسيّة عندما أكّدت في بيانها أنّ الاتصال تمحور، إلى جانب «الوضع الاقليمي والتطورات في لبنان»، حول «استئناف الحوار غير المباشر بين سوريا وإسرائيل والعلاقات الثنئاية ومشروع الاتحاد المتوسّطي».
وأوضحت أنّ ساركوزي ذكر بأن هذا الاتصال يأتي «طبقاً للتعهّد الذي قطعته فرنسا على نفسها باستئناف الاتصال على أعلى المستويات مع سوريا فور حصول تقدّم ملموس من أجل تسوية الازمة اللبنانية».
ويتفق بعض المراقبين على أن دمشق وباريس كانتا تنظران شذراً لتزايد الدور الأميركي في لبنان منذ أن «اقتحم التدويل الملف اللبناني». ويقول أحد الخبراء المقرّبين من هذا الملف «إن واشنطن كانت بعيدة نوعاً ما عن الساحة اللبنانية قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري»، وكان «الشدّ يدور بين باريس ودمشق ضمن حدود النزاع على النفوذ، مع اعتراف كل عاصمة بنفوذ الأخرى». ويضيف الخبير أن «فاجعة اغتيال الحريري» فتحت باب الساحة اللبنانية «أمام واشنطن بسبب اندفاع جاك شيراك» رغم عدد من التحذيرات. ويستطرد بأن واشنطن لعبت على حبال «المهاترات التي رافقت قيام المحكمة الدولية» لتأخذ الدور الأول فيه على حساب باريس. ويزيد بأن ساركوزي فهم قبل وصوله إلى الإليزيه أن شيراك «أضاع لبنان». ظل ساركوزي يبحث عن طريقة لإعادة دور فرنسا في هذا البلد «بعد فشل تمرين سيل سان كلو». وحتى عندما «أعلن عالياً قطع كل اتصال مع دمشق»، أراد رفع خط التحدّي لأنه يريد حلاً «يعيد دوراً لفرنسا في لبنان»، مع العلم بأن أكثر من مصدر كان قد أكد أن «التواصل لم ينقطع مع سوريا» وأن المقطوع فقط كان «التواصل على أرفع مستوى».
وقد ساعد الحلّ القطري «الذي كان لفرنسا دور في إطلاقه» ساركوزي في الوصول إلى ما يريده. وأشار دبلوماسي عربي إلى أن الفرنسيين ضغطوا بقوة من أجل الوصول إلى حل. ومن يعرف ساركوزي كان يجب أن يعرف أنه لن ينتظر إلى ما لا نهاية لإعادة «التواصل على أعلى مستوى». وأكد مصدر مطّلع، لـ«الأخبار»، أن «فتح المفاوضات بين سوريا وإسرائيل ساهم ولا شك في تسريع هذه الخطوة» إضافة إلى وجود قوة ضاغطة ضمن الإليزيه تدعو إلى «عدم ترك سوريا وحيدة في المجابهة بين إيران والولايات المتحدة».
ويقول أحد المقرّبين من هذا التوجه إنه بخلاف «المطالب العنجهية الإسرائيلية أو الأميركية» التي تدعو دمشق إلى «الابتعاد عن طهران»، فإن على باريس «أن ترافق دمشق في محاولتها الخروج من العزلة الدولية».
قد يكون الاتصال «بين الرئيسين» تمهيداً لقطيعة في مسار اللحاق بالتشدد الأميركي، وخصوصاً أن «نافذة ضعف الإدارة الأميركية تفتح باب حرية التصرف» بانتظار الانتخابات المقبلة. وقد أثبت ساركوزي أنه يعرف الاستفادة من الفرص السانحة.
غير أن التشدّد الأميركي لا يبدو في طريقه إلى التوقّف حيال سوريا. وبعد إبعاد الملف اللبناني عن الواجهة، ولو مؤقّتاً، عبر اتفاق الدوحة، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» أن الإدارة الأميركية لجأت إلى الوكالة الدولية للطاقة الذريّة للضغط على دمشق.
وأشارت الصحيفة إلى أن إدارة الرئيس جورج بوش تضغط على مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتوسيع مجال تفتيشهم، بحثاً عن أي «منشأت نووية سرية محتملة» في سوريا، ملمحة إلى أن «البرنامج النووي السوري» ربما يكون أكبر من المفاعل الوحيد المزعوم الذي قصفته الطائرات الحربية الإسرائيلية في السادس من شهر أيلول من العام الماضي.
ونقلت «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين ودبلوماسيين غربيين قولهم إن الولايات المتحدة «حددت ثلاثة مواقع على الأقل، وتم إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تتفاوض مع سوريا للحصول على تصريح للتفتيش».
وأشارت الصحيفة إلى أن سوريا، التي نفت امتلاك أي برنامج نووي، لم ترد إلى الآن على طلبات وكالة الطاقة بتحديد موعد محدد لإجراء عمليات التفتيش. وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، مايكل هايدن، إنها زادت من اهتمامها ومراقبتها لـ«الطموحات النووية السورية» منذ الغارة الإسرائيلية.