مؤتمر «أصدقاء لبنان» يدعو إلى انتخاب سليمان فوراً والمعلّم يراه بدايةً للتدويل
من ساحة النجمة إلى الكويت، بدا أمس كأنّه يومٌ لنعي المبادرة العربية التي استمرّت في الترنّح طويلاً. وإذا كان مؤتمر «أصدقاء لبنان» الذي عُقد في الكويت على هامش المؤتمر الثالث لدول جوار العراق ينذر برعاية دولية لإطالة أمد الأزمة، فإنّ «إعلان النيّات» الذي طرحه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي قد يكون الفرصة الأخيرة لإعادة الملف اللبناني إلى دائرة الحوار بين اللبنانيين أنفسهم.
وبتشبيه لا يخلو من واقعيّة، يمكن القول إنّ الصراع على وراثة المبادرة العربيّة قد بدأ أمس، وثمّة سباق بين نبيه برّي وتيري رود لارسن، قد تحسمه المواقف السياسيّة التي ستصدر في الأيّام والأسابيع المقبلة.
وكان برّي قد أرجأ جلسة انتخاب الرئاسة التي لم تنعقد أمس من دون أن يحدّد موعداً لها، رابطاً ذلك بانعقاد طاولة حوار تنتهي إلى «إعلان نيّات» حول النسب في الحكومة الجديدة والدائرة الانتخابية في قانون الانتخاب الجديد، وفي ضوء ذلك يتفق المتحاورون على موعد لانتخاب رئيس الجمهورية، في الوقت الذي ترفع فيه المعارضة اعتصامها من وسط بيروت.
وفيما بدا من المواقف الأولية لفريق الموالاة أنه يرفض دعوة بري الحوارية هذه ويراها «مهزلة»، على حد تعبير وزير الاتصالات مروان حمادة، علمت «الأخبار» أن بري سينتظر أن يحدد هذا الفريق موقفه النهائي إلى مطلع الأسبوع المقبل، فإذا جاء هذا الموقف متجاوباً، يدعو فوراً إلى طاولة الحوار، أما إذا جاء معارضاً، فإنه سيحدد موعداً لجلسة انتخاب رئاسية خلال النصف الثاني من أيار المقبل، وتحديداً بعد زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش المقررة إلى المنطقة.
لكن مصادر مطّلعة على موقف بري، الذي عقد مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لقاءً «ودياً ومفيداً» حسبما وصفه الأخير، قالت إنّ رئيس المجلس يعوّل على موقع جنبلاط الذي أبلغه موقفاً إيجابياً إزاء مبادرته الحوارية، لكنه يسأل بإلحاح عن حقيقة موقف رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري الموجود في الخارج، في الوقت الذي يتناهى فيه إليه أنه يتخذ موقفاً مغايراً لموقف جنبلاط منها.
وفي السياق نفسه، رشح عن مصادر مقرّبة من العماد ميشال عون أنّ «الجنرال» متمسّك بالتفاوض على السلّة المتكاملة، ولا يرى ضرورة لطرح «إعلان النيّات».

مؤتمر «أصدقاء لبنان»

وفي الكويت، عقد وزراء خارجية وممثلون عن الدول المشاركة في المؤتمر الثالث لدول جوار العراق، إضافة إلى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، اجتماعاً حضره وزير الخارجية بالوكالة طارق متري ومستشار رئيس الوزراء محمد شطح لمناقشة الأزمة اللبنانية.
وأصدر المجتمعون بياناً أكدوا فيه التزامهم بتأييد الحكومة الشرعية اللبنانية والمؤسسات الديموقراطية في لبنان، وطالبوا بالانتخابات الرئاسية الفورية للمرشح التوافقي العماد ميشال سليمان، من دون شروط مسبقة والقيام بعد ذلك بتأليف حكومة وحدة وطنية وإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية الموافق عليها من كل الأطراف اللبنانيين والتي تندرج ضمن المبادرة العربية. كما طالب المجتمعون كل الأحزاب بفتح حوار داخلي عبر المؤسسات اللبنانية، إضافة الى أن يحترم جميع الأطراف، داخل لبنان وخارجه، استقلال هذا البلد، مشددين على أنه حان الوقت لإقامة علاقات طبيعية مع سوريا مبنية على العلاقات التاريخية والاحترام بين البلدين الجارين لما فيه احترام حرية البلدين وسيادتهما واستقلالهما، إضافة إلى قيام علاقات دبلوماسية واحترام الحدود وأن لا يقوم أي طرف بتهديد الآخر.

المعلّم

وبالتزامن مع انعقاد مؤتمر «أصدقاء لبنان»، عقد وزير الخارجية السوري وليد المعلم مؤتمراً صحافياً في القاعة المجاورة للقاعة التي عقد فيها الاجتماع، وعبّر عن الخشية من أن يكون الهدف من هذا الاجتماع «خطف الأزمة اللبنانية من أيدي الأمين العام للجامعة العربية بهدف التدويل»، وخصوصاً أنّ تيري رود لارسن كان حاضراً في الاجتماع، وهو الذي «صاغ الفكرة وأخرجها وربما أصبح بطلها»، ووصف المعلّم لارسن بالبوم، قائلاً «اتبع البوم يدلّك على الخراب».
واتهم المعلم الولايات المتحدة بأنها تريد إبقاء «الوضع في لبنان على حاله» من حيث وجود «حكومة ورئيس حكومة يحظى بدعم أميركي»، ولكونها «البلد الوحيد الذي لم يدعم المبادرة العربية».
وكشف المعلم عن وقائع اجتماعه أول من أمس مع عمرو موسى الذي حاول خلاله المعلّم ثني موسى عن حضور الاجتماع من أجل لبنان «بوصفه مؤتمناً على المبادرة العربية، وبوصفه مكلّفاً ببذل جهود للمساهمة بحل الأزمة في لبنان»، إلا أنّ موسى عبّر عن رغبته في الحضور «كي يؤكد للمجتمعين تمسّك الجامعة العربية بالمبادرة كخطة متكاملة من ثلاث نقاط معروفة يتم الاتفاق عليها، ثم يبدأ تنفيذها بنداً بنداً، ولكي يقول لهم إنّ من غير المقبول عقد اجتماع من غير حضور سوريا».
وعن لقائه مع نظيره الفرنسي برنار كوشنير، قال المعلّم إنّه جاء تلبية لطلب كوشنير وإن المحادثات جرت بشفافية. وكشف المعلم في ردّ على سؤال لـ«الأخبار» عن أن الوزير الفرنسي طلب إليه خلال لقائه صباح أمس أن يحضر الاجتماع من أجل لبنان، فكان جواب المعلم «أن الناطق بلسان الخارجية الفرنسية أول من أمس حدّد أسماء الدول التي وُجِّهت لها الدعوة، وسوريا بلد يعتز بكرامته، ولا تُدعى بهذه الطريقة»، وأنه «كان يجب أن تستشار قبل عقد هذا الاجتماع، باعتبارها الجار المباشر للبنان والمعني بأمنه واستقراره».
وعن العلاقات السورية ـــــ السعودية، قال المعلّم إنّه لم يُعقد أي اجتماع سوري ـــــ سعودي، بل «حصلت دردشة» عادية فقط، نافياً علمه بوجود أيّة جهود خيّرة تبذَل في اتجاه تحسين العلاقات بين البلدين.

متّكي

من جهته، علّق وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي على الاجتماع من أجل لبنان قائلاً «إنّ حل المشكلة اللبنانية لن يتم عن طريق هذه الاجتماعات، إلا أننّا لا نعارض مساعي الدول الأخرى لتقريب وجهات النظر اللبنانية». وانتقد متكي «بعض الأفراد الذين كانوا يحاولون فرض قناعتهم على اللبنانيّين، فيما الحل لهذه الأزمة داخل لبنان نفسه».
وعن العلاقات مع السعودية ولقائه بنظيره السعودي سعود الفيصل، قال «تحدثنا مع السعودية عن العديد من المسائل العالقة ونحن نحرص على ضرورة توطيد العلاقات بين دول المنطقة، فسوريا والسعودية دولتان مهمّتان على الصعيد الإقليمي وأعداء المنطقة يسعون لإحداث الوقيعة فيها».

كوشنير

وبعد انتهاء الاجتماع الخاص بلبنان، عقد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير مؤتمراً صحافياً قال فيه إنّه دعا نظيره السوري وليد المعلم إلى حضور الاجتماع، و«ليس لي دخل باعتذار المعلم». وأضاف كوشنير أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «أُحبط من الوعود السوريّة التي لم تُنفَّذ»، معتبراً لقاءه مع الوزير المعلّم طبيعياً «ما دمنا مجتمعين في الكويت لمعرفة رأي كل واحد منا وتوقعاته».
وتابع كوشنير «لقد دعمنا المبادرة العربية، لذلك لا بد من توجيه السؤال للمعلم وتذكيره بالمبادرة العربية التي تدعمها فرنسا». وعمّا إذا كانت سوريا تقف عائقاً أمام انتخاب رئيس للبنان، أجاب «هذا سؤال ساذج، فسوريا لها دور في لبنان، وهذا ليس جديداً، ومنذ ثلاثين عاماً هي موجودة على الأراضي اللبنانية».
وعن اجتماعه مع متكي، قال كوشنير «هذا ليس الاجتماع الأول مع متكي، فلقد تطرّقنا إلى الوضع في العراق والقضية اللبنانية والعلاقات السورية ـــــ اللبنانية، والإيرانيون مهتمون بالشأن اللبناني وكل قضايا المنطقة».