عمر نشّابة«مقابل كلّ طلق ناري سنقتل أحد الرهائن»، صرخ سجين من أحد طوابق مبنى المحكومين في سجن رومية المركزي، أمس، بعد أن أطلق أحد عناصر قوى الأمن النار في الهواء من خارج السجن لترهيب السجناء المتمرّدين الذين تمكّنوا من احتجاز سبع رهائن من الحرّاس. وكانت عملية التمرّد قد انطلقت الساعة الرابعة والنصف من بعد الظهر، في الطبقة الأولى من المبنى الذي يشغله 950 سجيناً، بينهم 225 أجنبياً، صدرت بحقّهم أحكام قضائية في جرائم متفاوتة الخطورة. الضابط المسؤول عن حماية المبنى (ع.ج) كان قد عُيّن منذ مدّة قصيرة، وهو برتبة ملازم، لا معرفة كافية لديه في إدارة السجون والتعامل مع السجناء. كما أن العدد الأكبر من الحراس هم من المجنّدين ذوي الخبرة المحدودة. وكانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي قد طلبت من الحكومة إعفاءها من مهمة إدارة السجون لعدم كفاءتها في هذا المجال.
الشرارة التي أطلقت التمرّد كانت رفض بعض السجناء النافذين «التقويش» (الدخول إلى زنازينهم)، وحصل تلاسن بينهم وبين «الشاويش»، وهو سجين تختاره إدراة السجن من خارج القانون لمساعدتها. وكان الملازم المسؤول المعيّن حديثاً قد استبدل «الشاويش»، ما أثار حفيظة السجناء النافذين في السجن الذين كانوا على علاقة جيّدة بالشاويش السابق. وتمكّن المتمرّدون من السيطرة على الطبقة الأولى حيث أُشعلت النيران في الفرش، وتصاعد الدخان من المبنى، واحتجزوا عنصرين أمنيين بعد محاولتهما فرض النظام بالقوّة. ثم انتقلوا إلى الطبقة السفلية حيث احتجزوا ثلاثة حرّاس إضافيين، وحصلوا على مفاتيح بوابات المبنى الداخلية، وقاموا بمساعدة آخرين في إغلاق مدخل المبنى الرئيسي بالطاولات والكراسي. كما تمكّن المتمردون من السيطرة على الطبقتين الثانية والثالثة، حيث احتجزوا عنصرين آخرين من قوى الأمن، فبلغ مجموع الرهائن سبعاً، من بينهم رتيبان، وهدّد المتمرّدون بقتلهم إذا اقتحمت الشرطة المبنى. وحوالى الساعة السادسة مساءً، سيطر السجناء على المبنى من الداخل تماماً. واستمرّ الوضع على حاله من التوتر حتى ساعة متأخرة من ليل أمسوكانت قد هرعت إلى سجن رومية المركزي بعد ظهر أمس تعزيزات من الشرطة وقوات مكافحة الشغب وقوّة من «الفهود» الخاصّة في قوى الأمن الداخلي، في محاولة لإعادة الهدوء. وجرى تشديد إجراءات الأمن حول السجن لإحباط احتمال محاولات الفرار منه. لكن المتمردين لم يتراجعوا، ورموا من نوافذ المبنى عشرات الرسائل الورقية التي كُتب عليها بعض مطالبهم. ومن بين هذه المطالب، إخلاء سبيل المحكوم يوسف ش. بعدما تبيّن أنّه بريء، من دون أن يتمكّن من الطعن في الحكم الصادر بحقّه، لكونه صادراً عن القضاء العدلي. كما طالب المحكوم (ب. ع.) بإطلاق سراحه لتمكّنه من العناية بزوجته المريضة. لكنّ المطلب الأبرز للمتمرّدين كان الإسراع في تطبيق قانون يخفض مدّة العقوبات بالسجن. وعندما حضر قائد الدرك، العميد أنطوان شكّور، لمعالجة التمرّد، أرسل المتمرّدون وفداً منهم لمفاوضته، وطالبوا بتغييرات في إدارة السجن، كما طلبوا مقابلة المدّعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا لمعالجة مشاكلهم القضائية.
الساعة السابعة والنصف، شوهدت النيران تتصاعد من المبنى، إذ قام عدد من السجناء بإحراق المزيد من فرشهم وأمتعتهم لأسباب مجهولة. وحضر بعدها القاضي ميرزا ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. كما حضرت إلى باحة السجن آليات إطفاء الحرائق وسيارات تابعة للصليب الأحمر اللبناني. لكن المتمرّدين لم يتراجعوا بعد مقابلة القضاة، رغم اقتناع السجينين يوسف ش. وبلال ع. بشرح سبب تأخّر تطبيق قانون تنفيذ العقوبات الذي قدّمه لهم القضاة مع وعد بقرب موعد تطبيقه.
حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم يتوسّع نطاق التمرّد في رومية ليشمل المباني الأخرى، ومن بينها مبنيان للموقوفين، فيهما عدد من المتّهمين بانتمائهم إلى منظمة «فتح الإسلام»، وآخرون متّهمون بالانتماء إلى تنظيم «القاعدة»، ومبنى للأحداث، ومبنى «المعلومات» حيث يُسجَن الضباط الأربعة، وآخرون يَشتبه فيهم القضاء في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وصدر قرار بحجز جميع العسكريّين والضبّاط ووضعهم في حالة استنفار قصوى.
الجدير بالذكر أنّ هذا التمرّد ليس الأوّل من نوعه داخل سجن رومية، وهو يعدّ الأبرز منذ نيسان 1998، حين وقع تمرّد مشابه في مبنى الموقوفين، أصيب خلاله أربعة أشخاص بجروح. وكانت مطالب المتمردين آنذاك تحسين ظروف السجن وإصدار عفو مماثل للعفو الذي صدر بحقّ السجناء الذين أدينوا بجرائم مخدرات قبل عام 1996. ودام التمرّد يومين بمشاركة أكثر من ألف سجين، بعضهم كان مسلّحاً بقضبان حديدية وقطع زجاج.
ويعاني سجن رومية الاكتظاظ الخانق، إذ يسجن فيه أكثر من 4000 شخص، بينما لا تتعدّى قدرته الاستيعابية القصوى 1500 سجين. كما أن القوى الأمنية المكلّفة إدارة السجن وحمايته ليست مؤهّلة لتلك المهمة. فلم يخضع ضباط وعناصر قوى الأمن الداخلي لدورات تدريبية متخصّصة في التعامل مع السجناء ولصدّ أي تمرّد قد يقومون به، ولا يوجد دليل طوارئ خاص في السجن كما هي الحال في المؤسسات العقابية المتطوّرة.


«اليونيفيل»: قواعد الاشتباك تسمح بالردّ على مواصلة الأعمال العدائيّة

أوضح مكتب الشؤون السياسية والمدنية في قوات الطوارئ الدولية المعززة في الجنوب طريقة عمل هذه القوات مشيراً الى «أن ولاية اليونيفيل ومهماتها حدّدها قرار مجلس الأمن 1701 كما أن هناك إجماعاً لبنانياً لدعم مهمتها».
ولفت المكتب في بيان أمس إلى «أن الجيش اللبناني هو الشريك الاستراتيجي لليونيفيل» مؤكداً أن «مسؤولية الأمن وحفظ القانون في المنطقة تقع في الدرجة الأولى على عاتق القوات المسلحة اللبنانية، ومن جانبها تقوم اليونيفيل بأعمال الدورية في منطقة عملياتها. تراقب وقف الأعمال العدائية وتساعد القوات المسلحة اللبنانية (...) وإذا كان هناك خطر مواصلة الأعمال العدائية فإن قواعد الاشتباك تسمح لقوات الأمم المتحدة بالرد بما يلزم».
وأشار الى «أن قادة اليونيفيل لديهم سلطات كافية للعمل بقوة عندما يواجهون نشاطات عدائية من أي نوع ومن أي جهة في منطقة انتشار اليونيفيل»، مشدداً على «أن قواعد الاشتباك تحدّد توجهاً واضحاً للقيادة حول درجة وطريقة استخدام القوة وتمنحهم الليونة الضرورية للتعاطي مع أية ظروف قد تواجههم على الارض». وأكد أن اليونيفيل تتعامل مع جميع الأفرقاء بمعيار واحد.