يبدو أن دمشق قد حدّدت هدفاً واحداً للقمّة العربيّة التي تُعقد غداً على أراضيها، يميّزها عن سابقاتها، ألا وهو العمل على إزالة حالة الانقسام التي تسود العلاقات العربية ـ العربية، وذلك بعدما حالت التوتّرات والتشرذم دون تحقيق أيّ تقدّم في الكثير من الملفّات ـ الأزمات، وفي مقدّمها مأزق الانتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة.هدفٌ فرض على منظّمي القمة اعتماد أسلوب تهدئة حيال السعودية ومصر، اللتين شاركتا في الاجتماع الوزاري العربي في العاصمة السورية أمس بمستوى دون وزير الخارجية، من دون أن يتمكنوا من كبح تعبيرهم عن إحساس بـ«النصر»، بعدما نجحوا، رغم كل الجهود المضادة، في عقد القمة في مكانها وموعدها المقررين، وضمان حضور 18 وزير خارجية لاجتماعاتها التحضيرية. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف سورية من «جهود أميركية» تستهدف تقليص مستوى مشاركة القادة العرب في مؤتمر القمة.
أمّا في ما يخصّ الملف اللبناني، فقد بدا واضحاً أنّ ثمّة حالاً من الاستياء من الهجوم الذي تشنّه القوى الحاكمة في بيروت على دمشق، عبّر عنه وزير الخارجية السوري وليد المعلم أمس بتأكيده رفض رئاسة القمة إلقاء أي كلمة باسم الحكومة اللبنانية في أروقتها على قاعدة «من لا يشارك في القمة لا يلقِ كلمة». أما مندوب سوريا لدى الجامعة العربية يوسف أحمد فقال «لو حضر لبنان، فإن الرئيس السوري بشار الأسد كان سيطرح الأزمة اللبنانية بتفاصيلها الكاملة أمام القادة العرب لوضع خطة عمل للخروج من المأزق، لكن هم آثروا الغياب والطرف المساعد لمجموعة السنيورة آثر أيضاً الغياب».
وقالت مصادر مطّلعة، لـ«الأخبار»، إنّ «الموضوع اللبناني مرّ عرَضاً ورُحّل إلى اجتماع القمة»، وفق النصوص نفسها التي وردت في مقررات الاجتماع الأخير للوزراء العرب في القاهرة قبل نحو شهر.
أما الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى فنفى من جهته، رداً على سؤال لـ«الأخبار»، أن تكون هناك أي مبادرة أخرى لحل الوضع اللبناني غير المبادرة العربية، التي لا يزال الانقسام حول تفسيرها على حاله، مشيراً إلى أنه سيزور بيروت «قريباً».
وكان المعلم قد أعلن أن الأمين العام كُلف بإعداد ورقة بالمقترحات التي قدمت خلال جلسة رسمية مغلقة، وصفت بأنها جلسة «عصف فكري»، في ما يتعلق بالعلاقات العربية العربية، على أن تطرح على القادة العرب الذين سيبحثونها على طاولة مستديرة في جلسة مغلقة. ولم يُبدِ موسى أيّ تفاؤل بوضع حدّ لجميع الخلافات العربية ـ العربية. لكنه قال إن الهدف يبقى عدم تحول هذه الخلافات إلى «عداوة».
ولا ينكر موسى أن الأزمة اللبنانية باتت صعبة ومعقّدة، لكنه يرى أن أزمة العلاقات بين العواصم العربية ليست أقل تعقيداً، وهو يخشى احتمال حصول عملية تنافس وتجاذب وتصفية حسابات عربية ـ عربية على الأرض اللبنانية.
وتوقعت مصادر إعلامية سورية أن يكون خطاب الرئيس بشار الأسد في الجلسة الافتتاحية للقمة شاملاً، مشيرة إلى أنه سيُسمح بإلقاء كلمات، خلال هذه الجلسة، للقادة العرب دون غيرهم، ومؤكدة أن عدداً كبيراً من هؤلاء طالب بإلقاء كلمات كهذه.
في هذا الوقت، لا تزال دمشق تنتظر اكتمال تأكيد الحضور العربي، إذ إنّ الأردن لم يعلن حتّى الآن عن مستوى تمثيله. كما أن ليبيا، التي أكد أكثر من مسؤول فيها حضور القذافي شخصياً، لم تعلن ذلك رسمياً بعد، فيما اعتذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن عدم الحضور بذريعة العمليات العسكرية في البصرة، موكلاً مهمّة تمثيل العراق إلى نائب الرئيس عادل عبد المهدي.
وفي لبنان، يوجّه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مساء اليوم كلمة متلفزة الى القمة العربية، وقالت مصادر قريبة منه لـ«الأخبار» إن هذه الكلمة «ستتضمّن شرحاً لأسباب تغيّب لبنان عنها»، وموقفه من التطورات الجارية وما آلت إليه المبادرات المطروحة في شأن الأزمة اللبنانية.
لكن قناة «أخبار المستقبل» نقلت عن مصادر حكومية قولها إن السنيورة سيعرض في كلمته اليوم «كل المشاكل التي تشوب العلاقات اللبنانية ـ السورية، بدءاً بعدم اعتراف النظام السوري باستقلال لبنان وسيادته، مروراً بالتدخّل الأمني والسياسي في شؤونه الداخلية، وصولاً إلى موضوعي تهريب الأسلحة عبر الحدود الى لبنان والمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية». وأضافت المصادر نفسها ان السنيورة «سيضع هذه المعطيات برسم العرب لمعالجتها».
وقال قطب موالٍ لـ«الأخبار» في معرض تعليقه على القرار العربي بإعادة تأكيد المبادرة العربية وإعادة تكليف الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الاستمرار في جهوده لتطبيقها، إن في هذا القرار إشارة إلى أنه لا جديد عربياً في شأن لبنان، وأضاف ان موسى سيعود الى بيروت لمتابعة مساعيه بين الموالاة والمعارضة. وأشار الى أنه لم يرفض أحد المبادرة العربية ولكن إعلان الرئيس نبيه بري أخيراً أنه سيدعو الى الحوار بعد القمة هو بمثابة «تجاوز» للمبادرة العربية.
وكانت قوى 14 آذار قد وجّهت أمس مذكرة الى القمة دعت فيها الدول العربية الى «ممارسة أقصى الضغوط على النظام السوري بغية وضع حد لأطماعه المزمنة في لبنان». وشددت على وجوب «إقرار سوريا الواضح والصريح بنهائية الكيان اللبناني وترسيم الحدود معه وإقامة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفارات ترجمة لمقررات الحوار الوطني ولاتفاق الطائف الذي رفضت طوال فترة هيمنتها على لبنان تطبيقه». ورأت أن «أي حل للعلاقات اللبنانية ـ السورية يجب أن يأخذ في الاعتبار المصلحة اللبنانية، وأي تنظيم للعلاقات مع سوريا يتوقف على اعترافها الواضح باستقلال لبنان وإقامة العلاقات الدبلوماسية».