زياد الرحباني
من الواضح أنّ طاقة اللبناني عموماً على التكيّف، حقيقة ليس فيها أيّ ذرّة من المبالغة. لا بل إنّ منسوب الطاقة هذه عالٍ لدرجة مقلقة. فاللبناني، بخلاف مخزون العنفوان والإباء الظاهرين، قادر على التأقلم مع أشنع الظروف وأغربها.
هل يستطيع انسان أن يزحف مرفوع الرأس؟ كلّا طبعاً، أما اللبناني فهذا ما يفعله إذ إنه يعرف، تاريخياً، من أين تؤكل الكتف، وأنّ لكل ساعة أحكامها. قد يعود ذلك لسببين رئيسيين: الأول، قدرة عالية على فقدان الذاكرة قد تتفاوت بين الطوائف لكنها تبقى عالية بشكل مشرّف. والثاني، موهبة في الاختراع وإدخال التعديل على الأشياء مصدرها، أساساً، جهل في التعاطي معها أو في استعمالها البسيط الصحيح. فكما تكيّف اللبناني مع تقنين الكهرباء والماء، تكيّف مع الاحتلالات والتدخلات الخارجية مدّعياً العكس، وتكيّف مع الحدّ الأدنى النادر وقانون الإيجارات المعلّق والضمان الإلزامي المتعثّر والقيمة المضافة المطروحة والهجرة المتحرّكة وديون «الاحتياطي» الممتاز، وبدأ أخيراً بالتكيّف مع الفراغ الشامل على مستوى مؤسسات الحكم. فشغّل أولاً فقدان الذاكرة وها هو، ثانياً، يستنفر ابتكاره الخلّاق، وخاصة أنّ ما اصطفاه ذهنه من كل السجال القائم حول انتخاب رئيس الجمهورية هو فقط: احتمال أن يمتدّ الفراغ المذكور حتى موعد الانتخابات النيابية عام 2009. لذا، بدأت بالفعل استعداداته، على أكثر من صعيد، لكسر هذا الفراغ الممتد المميت. وقد أعلنت في هذا الإطار مجموعة من التجّار ورجال الأعمال اللبنانيين وصول تشكيلة كبيرة ستُطرح قريباً في الأسواق:
فراغ مطّاط/ فراغ عجمي/ فراغ مكعّب (بالجملة فقط)/ الفراغ المضغوط/ فراغ مفروش/ فراغ أجنبي/ فراغ ـــ أقراص/ فراغ لفّ/ فراغ مستعمل/ الفراغ العُلوي (على الطلب)/ فراغ مجفف/ فراغ الحَمَام.
مواد غذائية:
فراغ بلدي/ فراغ بالحليب/ فراغ محشي/ فراغ على الحطب/ فراغ أورفلي/ رغوة الفراغ/ معسّل بالفراغ.
هذا بالإضافة الى افتتاح مجموعة من المؤسسات:
مؤسسة الفراغ واليابس/ مسبح الفراغ الخالد/ فراغ للإنتاج/ الفراغ المقدّس/ الفراغ ـــ القدوة/ دار الفراغي.
وللبحث صلة...