القاهرة ــ محمد شعير
غيّب الموت أمس الناقد المصري الكبير رجاء النقاش عن 74 عاماً بعد معاناة مع مرض السرطان استمرّت نحو ثلاث سنوات. مراسم تشييع النقّاش ستقام ظهر اليوم في مسجد عمر مكرم في وسط القاهرة ليوارى في الثرى في مقبرته بمدينة السادس من أكتوبر.
بدأ رجاء النقاش ممارسة النقد الأدبي وهو طالب في السنة الأولى في كلية الآداب في جامعة القاهرة، وكان ينشر مقالاته يومها في مجلة «الآداب» في بيروت. عمل في صحيفة «الأخبار» المصرية وترأس تحرير مجلة «الكواكب» الأسبوعية و«الهلال» الشهرية. ثم انتقل إلى قطر حيث أسّس مجلة «الدوحة» التي ذاع صيتها في سبعينيات القرن الماضي.
هكذا، برز النقّاش منذ مطلع العشرينيات ناقداً أدبياً، ويكفي أنّه قدّم للثقافة العربية ثلاثة من أهم الأسماء هم الشاعر الفلسطيني محمود درويش، والروائي السوداني الطيب صالح، والشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي. فجميعهم جاءوا إلى القاهرة في بداياتهم بحثاً عن فرصة للإبداع، وسرعان ما اكتشف النقّاش مواهبهم، فكتب عن درويش كتابه الشهير «شاعر الأرض المحتلة» الذي يُعدّ أوّل دراسة نقديّة في أشعار الشاعر الفلسطيني. كذلك قدّم للطيب صالح روايته «موسم الهجرة للشمال» وكتب المقدّمة الشهيرة لديوان أحمد عبد المعطي حجازي «مدينة بلا قلب» وأرسله إلى بيروت لتطبعه «دار الآداب». والمقدمة أهمّ بيان شعري يبشّر بالشعر الجديد حينها في بداية الخمسينيات. كذلك ارتبط النقّاش بصداقة قوية مع الروائي الراحل نجيب محفوظ، بل إنّ عميد الرواية العربية كان يراه «مخزن أسراره الشخصية» واختاره لكتابة مذكّراته التي صدرت بعد حصول محفوظ على جائزة نوبل وأثارت جدلاً كبيراً.
الدكتور جابر عصفور بدا متأثراً جداً عندما علم برحيل النقاش، واصفاً إياه بأنّه «قيمة مصرية نادرة يصعب تعويضها». أما الناقد محمد بدوي، فأشار إلى أنّ النقّاش «من النقاد القوميّين الذين صعدوا مع ثوّار يوليو، وقد ربط في نقده بين الأدب وما يسمّى الجماعة القومية في حركة التحرّر الوطني. وهو يملك حساسية شعريّة عالية أتاحت له الدفاع عن صلاح عبد الصبور وحجازي في بداية ظهورهما. حتى إنّه دخل معارك نقدية مع عباس محمود العقاد وآخرين ممّن تصدوا لهذا النوع الجديد من الشعر وقتها. أما حساسيته فجعلته من أوائل مَن كتب عن محمود دياب وألفريد فرج وجميعهم من الأسماء التي صعدت مع صعود حركة التحرر الوطني».
وقد أصدر النقاش مؤلفات أبرزها «نجيب محفوظ صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته»، و«ثلاثون عاماً مع الشعر والشعراء» و«بين اليمين واليسار» عن الكاتب المصري محمود عباس العقاد وكتابه «فدوى طوقان وأنور المعداوي» وكتابه عن «محمود درويش وسميح القاسم».
وكان النقاش قد عاد من ألمانيا منذ شهر بعد انتهاء فترة العلاج، وأقام له أصدقاؤه حفلةً في نقابة الصحافيّين المصرية الشهر الماضي شارك فيها عشرات الأدباء والنقّاد في ما عُدّ تظاهرة حبّ شديدة للرجل الذي لا يكفّ عن «التبشير النبيل» وفق ما وصفه محمود درويش في كلمته التي أرسلها إلى الندوة وقال فيها: «كنتَ وما زلت أخي الذي لم تلده أمي منذ جئت إلى مصر، أخذت بيدي وأدخلتني إلى قلب القاهرة الإنساني والثقافي... عمّقتَ إحساسنا بأنّنا لم نعد معزولين عن محيطنا العربي».
وكانت هذه الندوة آخر ظهور علني للنقاش وجاءت كلماته البسيطة كاشفةً عن تجربته، إذ وصف الندوة بأنّها شعبيّة خالية من أي رسميّات، وكل ما هو شعبي يبقى ويدوم. ورأى النقّاش أنّ رسالة محمود درويش دليلٌ على أنّ القضية الفلسطينية هي القضيّة الأم بالنسبة إلى العالم العربي وهي حاضرة ومستقرّة في ضميره حتّى اليوم.
من جهة أخرى، قرّر المجلس الأعلى للثقافة إهداء الدورة المقبلة من مؤتمر الرواية الذي سيُفتتح في 14 من الشهر الجاري لرجاء النقاش وإطلاق اسمه على فاعليات الدورة، وهو ما صرّح به عماد أبو غازي رئيس الشعب واللجان في المجلس.