صعّدت إسرائيل، أمس، تهديداتها حيال قطاع غزة، معلنة تلقّي جيشها الأوامر بالاستعداد لشن عدوان بري واسع عليه، في وقت أكدت فيه تقارير إعلامية أن قراراً بعدوان كهذا سبق أن اتخذ قبل فترة، وأن تنفيذه رهن باستكمال الإعداد الميداني والسياسي لضمان نجاحه. وفيما كان وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، يبلغ لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أنه أصدر أوامره إلى الجيش بالاستعداد لإمكان شن عملية عسكرية واسعة النطاق في القطاع المحاصر «ودراسة سبل تحرك أخرى»، كان موقع «يديعوت أحرونوت» ينشر تقريراً يكشف عن أن القيادة السياسية في إسرائيل حسمت أخيراً قرارها المبدئي بالإقدام على خطوة كهذه، لكنها تنتظر، كما الجيش و«الشاباك»، نضوج الظرف المناسب «الذي يضمن تحقيق أهدافها في غضون فترة زمنية معقولة».
وأفاد محلل الشؤون الأمنية في موقع «يديعوت»، رون بن يشاي، المعروف بقربه من المؤسسة العسكرية في إسرائيل ومن دوائر صناعة القرار فيها، بأن قرار شن عملية واسعة في القطاع اتخذ قبل نشر تقرير فينوغراد، إلا أن إحاطته بالسرية تهدف إلى توفير عنصر المفاجأة حيال حركة «حماس» قدر المستطاع، رغم إدراك الأخيرة للأمر واستعدادها لمواجهته.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، قد قال، خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة، أول من أمس، إن باراك يمتنع عن عرض ومناقشة الخطوات والخطط التي يعتزم الجيش تنفيذها في القطاع، خشية التسريبات الإعلامية التي تتيح لحماس أخذ العلم بها والاستعداد لها.
وبدا بن يشاي، أمس، كمن يتسلّم زمام المبادرة من أولمرت وباراك، ليوصل الرسالة المطلوب إيصالها إلى الجمهور الإسرائيلي الذي يعيش حالة احتقان كبيرة جرّاء الاستنزاف اليومي المتصاعد على الجبهة الجنوبية، من دون أن يلوح حل في الأفق.
وفي حين أشار الكاتب إلى أن السرية والكتمان بشأن العملية الموجودة قيد الإعداد يسمان سلوك الجيش الإسرائيلي أيضاً، رأى أن ذلك يأتي في سياق التحضير الجيد الذي يرمي إلى تقليل الخسائر البشرية في الجانب الإسرائيلي، وتقصير فترة الهجوم الصاروخي المضاد الذي ستشنه «حماس» مع بداية العملية، والحؤول دون حصول تطورات غير مرغوبة في ساحات أُخرى.
وشدد بن يشاي على أن أهم ما يميّز الاستعداد للعملية المزمعة يكمن في تحديد أهداف واضحة ودقيقة لها، في استفادة من عِبَر الإخفاق الذي حصل خلال العدوان على لبنان على هذا الصعيد.
وبحسب الكاتب، تنقسم الأهداف إلى تكتيكية واستراتيجية. أما التكتيكية فأبرزها:
1ــــ خلق وضع يتيح حرية التحرك العملاني والاستخباري للجيش الإسرائيلي وللشاباك في كل أرجاء القطاع، وبالسرعة الممكنة، «ويرى هذا الأمر شرطاً أساسياً وضرورياً لتحقيق الأهداف الأُخرى».
2ــــ تقليص جوهري لعمليات إطلاق الصواريخ بالسرعة الممكنة.
ــــ تدمير غالبية البنى التحتية العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية كافة، إضافة إلى تدمير مستودعات الوسائل القتالية ووسائل إنتاجها التابعة لها.
4ــــ إغلاق محور «فيلادلفي» بشكل يقلّص على الأقل 60 في المئة من عمليات التهريب إلى القطاع.
5ــــ الامتناع قدر الإمكان عن المس بالمدنيين الفلسطينيين غير الضالعين بالقتال، ومنع حصول أزمة إنسانية.
وتتلخص الأهداف الاستراتيجية بثلاثة أهداف هي:
1ــــ إطاحة «حماس» من السلطة وإقامة سلطة فلسطينية مستقرة في قطاع غزة، تحت إشراف ومساعدة دوليين.
2ــــ تجريد القطاع من السلاح الصاروخي القوسي لفترة طويلة، ومن البنى التحتية لتصنيع مثل هذا السلاح.
3ــــ تأمين حراسة وإشراف إسرائيليين فعّالين لسنين طويلة على معابر القطاع، ويشمل ذلك معبر «فيلادلفي» (سواء بشكل مستقل أو بواسطة تسوية مع الفلسطينيين والمصريين ومحافل إشراف دولية).
ويشير بن يشاي إلى ضرورة إعداد البيئة السياسية لعملية كهذه، بحيث يُتاح تثميرها سياسياً، ويجري تأمين نقطة الخروج منها من دون الغرق في حالة استنزاف داخل القطاع. ويتحدث، في هذا الإطار، عن إيجاد تفاهم وتأييد دوليين مسبقين، إضافة إلى ضمان استعداد للتعاون من جانب حلف شمالي الأطلسي ومحافل دولية أخرى من أجل بلورة تسوية تتيح خروج جيش الاحتلال من القطاع.
وإذا كان هذا الأمر يُعَدّ «عنصراً مهماً في التحضيرات السابقة للعملية»، فإن شرطاً آخر لا يقل أهمية يتمثل في الحيلولة دون حصول تدهور وتصعيد في ساحات أخرى، كساحة الجبهة الشمالية مع كل من لبنان وسوريا.
ويشير الكاتب إلى خشية من أن يحاول حزب الله فتح جبهة ثانية من أجل تخفيف الضغط عن «حماس»، ولذلك يرى أنه ينبغي إيصال الرسائل «التي لا تقبل التأويل» لهما، «بأن أي تدخل وبأي شكل كان، سيجعلهما يدفعان الثمن غالياً».
ومن الساحات الأخرى أيضاً الضفة الغربية التي يُخشى من سعي المقاومة الفلسطينية فيها إلى تنفيذ عمليات ضد قوات الاحتلال، إضافة إلى الداخل الإسرائيلي الذي يُخشى من قيام الفلسطينيين فيه بتحركات «مخلّة بالنظام».
وأخيراً يبشّر بن يشاي الجمهور الإسرائيلي بأن تحقيق أهداف عملية كهذه قد يتطلب الكثير من الوقت، «أشهراً وربما سنة». ويرى أنه «يتعين على الجمهور والسياسيين في إسرائيل التحلي بأعلى قدر من الصبر وضبط النفس، وينبغي على الجمهور أن يستوعب حقيقة أن المعركة في غزة ستجبي منا ضحايا في الأرواح وثمناً اقتصادياً».
(الأخبار)