بدت إسرائيل مرتبكة أمام مشهد الجحافل البشرية، التي واصلت أمس، لليوم الثاني على التوالي، عبور الحدود مع مصر للتزوّد بالحاجات الأسياسة التي حرمها منها الحصار. ارتباك عكس انهيار استراتيجيتها القائمة على إذلال أهالي قطاع غزة عبر تجويعهم وحرمانهم من أبسط مقوّمات الحياة في محاولة لتأليبهم على «حماس» لإجبارها على «التهدئة» أو إنهاء سيطرتها على القطاع (التفاصيل).انهيار أعاد المبادرة إلى «حماس»، التي أكد رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، لـ«الأخبار»، أنها لن تبادر إلى عرض أيّ تهدئة على إسرائيل ولن توقف المقاومة، وبينها إطلاق الصواريخ، ولن تعتذر إلى الرئيس محمود عباس عمّا يسمّيه «انقلاباً» في غزة.
ردود فعل تل أبيب انطلقت باتجاهين: الأول، دفع مصر إلى العمل بسرعة على إعادة إقفال الحدود، عبر التلويح باستعدادها لنقل مسؤولية القطاع إلى القاهرة، التي سارعت إلى الرد على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها حسام زكي بالتأكيد على أن الحدود «ستعود إلى طبيعتها»، وأنّ الطرح الإسرائيلي هو «تقدير خاطئ» لأنّ ما يجري عند معبر رفح «هو وضع استثنائي ولأسباب مؤقّتة».
أما الاتجاه الثاني، فالعمل على بلورة استراتيجية بديلة، لعلمها أن ما حصل كان سابقة ستجبر مصر على فتح الحدود كلما تفاقمت الأزمة الإنسانية في غزة، لعلها ستتضمّن تسليم المعابر كلها إلى سلطة الرئيس محمود عباس، الذي عبّر صراحة أمس عن رغبته في ذلك، علماً بأن فتح الحدود بهذا الشكل لا يحرم إسرائيل من أدوات الضغط كلها، لأنها لا تزال تسيطر على المواد الحيوية، كالوقود والكهرباء، التي يمكنها من خلالها أن تحول حياة الغزاويين إلى جحيم.
في المقابل، سعى نظام الرئيس المصري حسني مبارك إلى استغلال ما يحصل على مستويين: الأول عربي، عبر محاولة تلميع صورته والظهور بمظهر الحريص على الشعب الفلسطيني، واستعادة دور فقده عبر انشغاله على مدى السنوات القليلة الماضية بحكاية «التوريث». أما الثاني فداخلي بالعمل على تنفيس احتقان الشارع المصري، الذي من المقرر أن ينفجر اليوم غضباً في القاهرة وغيرها من المدن المصرية.
لعل تأكيد مبارك «أننا لن نسمح بتجويع الفلسطينيين» في وقت كان يرفض فيه فتح الحدود ويعزز الإجراءات الأمنية فيها، خير دليل على ذلك.
بدورها، سعت السلطة الفلسطينية إلى توظيف الأحداث الأخيرة لتحقيق مجموعة من الأهداف: الأول، دق إسفين في العلاقات التي تربط «حماس» بالسلطات المصرية، في محاولة عبّر عنها وزير الأسرى والمحررين في حكومة تسيير الأعمال، أشرف العجرمي، الذي اتهم الحركة الإسلامية «باستغلال الضائقة المعيشية التي يعاني منها سكان القطاع للإساءة إلى العلاقات مع مصر».
والثاني، السيطرة على المعابر من دون حوار مع «حماس». بل إن رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض طرح، على هامش «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس، على إسرائيل، فتح «ممرّات» إلى القطاع تشرف عليها السلطة الفلسطينيّة، وهو ما ردّ عليه وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بالتأكيد أنّ تل أبيب «تدرس مسألة المعابر» إلّا أنّها تربطها أيضاً «بالضرورات الأمنية».
أما الهدف الثالث، فالتغطية على عدم قدرتها على تحقيق أي «إنجاز» في مفاوضاتها المتواصلة مع الإسرائيليين، الذين أفاد أحد مسؤوليهم بأن عباس سيلتقي رئيس الوزراء إيهود أولمرت الأحد المقبل وبأن الوضع في غزة سيكون «في صلب محادثاتهما».
الموقف الأميركي تماهى مع الرؤية الإسرائيليّة، حيث أوضح مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، نيكولاس بيرنز، من القدس المحتلّة، أنّ واشنطن على اتصال بالقاهرة في شأن معبر رفح ومستعدة للعمل مع السلطات المصرية لاستعادة النظام هناك. وقال «رأينا هو أنّه يتعيّن استعادة النظام على الحدود».
في نيويورك، عاد الأميركيون إلى مجلس الأمن الدولي بشروط لقبول البيان الرئاسي المتعلّق بالحالة في غزة، والذي قبلته 14 دولة. وطالبوا، حسبما تسرّب لـ«الأخبار»، بإدانة إطلاق الصواريخ وسيطرة «حكومة الطوارئ» على المعابر وتشديد الرقابة على المساعدات الإنسانية.
ونُقلت الاقتراحات الأميركية إلى لجنة الخبراء لدراستها، فيما أعرب المندوب الروسي، فيتالي تشوركين، عن حرصه على صدور موقف واضح في مجلس الأمن مما يجري في غزة. وقال لـ«الأخبار» إنّ «من الإيجابي أن هناك إجماعاً في مجلس الامن الدولي على ضرورة إصدار بيان. وإذا كان هناك موقف غير مقبول من المجلس، فلن يكون هناك بيان».
أما المجموعة العربية فقد عقدت اجتماعاً في الصباح لدراسة الخيارات، محتفظةً بالحق في التوجّه إلى قرار إذا ما رفض الأميركيّون البيان الرئاسي الذي جرى تعديله كثيراً بحيث بات مركزاً على حلّ الأزمة الإنسانيّة في غزة. وتضمّن مشروع البيان فقرة تتحدث عن إبداء القلق الشديد من «العنف الأخير الذي يؤثر على الأهالي في غزة وجنوب إسرائيل»، وأخرى تقول «ويأخذ المجلس علماً بقرار إسرائيل وقف تعطيل المعابر ويدعو إلى بقائها» مفتوحة.
إلى ذلك، استشهد فلسطينيان بعد مهاجمتهما مدرسة في مستوطنة كفار عتسيون جنوب الضفة الغربية، كما عُلم لدى خدمات الطوارئ الإسرائيلية، فيما قُتل شرطي إسرائيلي في هجوم ثان في القدس الشرقية المحتلة.