مفاوضات «السـلّة» تتقدّم والاتّفاق يتعثّر وكوشنير يستنجد بساركوزي
حملت الساعات الماضية بعض الأنباء الإيجابية عن المفاوضات الدائرة بشأن سلة المطالب التي تربط المعارضة موافقتها على انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان بتحقيقها. لكن التراجعات التي أقدمت عليها قوى 14 آذار لم تكن كافية، وسط انطباع لدى المعارضة بأن النائب سعد الحريري لا يزال يناور ويريد أن يقدم على خطوات يعتبرها بمثابة تنازلات دون أن تكون مرفقة بأي نوع من الضمانات، ما جعل المعارضة تتريّث في القبول بما هو معروض.
وينتظر الجميع قرار الرئيس نبيه بري اليوم بشأن مصير الجلسة النيابية لانتخاب الرئيس، التي لن يكون مصيرها على الأرجح أفضل من سابقتها، إذ سيحضر نواب الموالاة والمعارضة إلى ساحة النجمة ليعودوا أدراجهم بلا انتخاب رئيس جديد. وقد أخّر برّي موقفه من الجلسة مراهناً على أن يتوصّل خلال الساعات المقبلة على صيغة حلّ تبلورت في أجتماعه الثاني أمس مع رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري ووزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير.
وعلم أن حصيلة يوم أمس كانت الآتية:
ـــــ إبلاغ النائب الحريري الرئيس بري تمسّكه بعدم بتّ موضوع رئيس الحكومة الجديدة قبل إنجاز الانتخابات الرئاسية، مع ميل نحو تسمية الوزير السابق بهيج طبارة، علماً بأن الحريري نفسه نفى هذا الأمر لمتصلين به من قيادات في 14 آذار ومن إعلاميين.
ـــــ إعلان الحريري استعداد فريق الأكثرية لترجمة الموافقة على مبدأ المشاركة من خلال القبول بصيغة تقاسم المقاعد الوزارية بين الفريقين على أساس نسبة تمثُّل كلّ منهما في المجلس، شرط أن تكون حصة رئيس الجمهورية من خارج حصة فريق الأكثرية.
ـــــ إعلان الحريري رفض الأكثرية استقالة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مدخلاً للتعديل الدستوري، بحسب ما تطلب المعارضة.
ـــــ إعلان الموافقة المبدئية على اعتماد قانون جديد للانتخابات النيابية على أساس القضاء دائرةً انتخابية، وترك أمر بتّه نهائياً الى الحكومة الجديدة دون مسّ بالمواعيد المقررة للانتخابات.
ـــــ إعلان الحريري استعداد الحكومة للحفاظ على خصوصية المقاومة من خلال التأكيد على ما ورد في البيان الوزاري الحالي، مع التشديد على سلطة الدولة المطلقة وعلى احترامها لكل القرارات الدولية.
وكشفت المصادر أيضاً أن الجانب الفرنسي سيواصل وساطته رغم «مشاغبة» السفير الأميركي جيفري فيلتمان عليها، حيث يواظب على الطلب من فريق الموالاة عدم تقديم أي تنازلات للمعارضة. وقد باشر الفرنسيون اتصالات تشمل الجانبين السعودي والسوري، رغم إدراكهم أن واشنطن لا ترغب في أن يتحقق الحل في ظل وجود كوشنير في بيروت.
وقالت المصادر نفسها إن قمة خماسية عربية ستعقد في الرياض قريباً وتضم السعودية وسوريا ومصر والأردن وفلسطين، يتوقع أن تكون لها انعكاساتها الإيجابية على الوضع اللبناني.

اجتماع المعارضة

وليل أمس توجه وفد من قيادات المعارضة ضم المعاون السياسي للسيد حسن نصر الله الحاج حسين الخليل والنائب علي حسن خليل ومساعد الوزير سليمان فرنجية المحامي يوسف فنيانوس الى الرابية وبحثوا مع العماد عون ومساعديه في التطورات، وعلم أن المجتمعين رأوا في ما حصل تقدماً إيجابياً ولكنه غير كاف، وأن العماد عون جدّد تمسّكه بالسلّة كاملة وبضمانات هي أقرب الى تفاهمات سياسية لا تمسّ الدستور ولا تتطلب تعديلات فيه. وعلم أن الموقف النهائي للمعارضة ليس في سياق الإقرار باتفاق حتى اللحظة، ما يعني أن مهمة كوشنير لم تكتمل بعد.
وكان عون قد جدّد إثر اجتماع لتكتل «التغيير والإصلاح» الإصرار على «توافق سياسي قبل تعديل الدستور» لافتاً إلى أنه «تنازل عن حقه الشخصي لكنه لن يتنازل عمّا يمثل بأي شكل من الأشكال» ومشيراً إلى أنه «لا يطالب بحقوق إضافية للمسيحيين أو للمعارضة ولكن بحقوق مفقودة منذ 17 سنة».

نفي الحريري

وما إن انتهى اجتماع الرابية، حتّى أصدر المكتب الإعلامي للحريري البيان الآتي: «قطعاً لأي تأويل أو تداول في أنباء مغلوطة، يؤكد المكتب الاعلامي للنائب الحريري أنه لم يجر الحديث في رئاسة الحكومة المقبلة أو الحكومة نفسها، ولن يجري مثل هذا الحديث قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية». وقد جاء ذلك بعدما بثّت قناة «الجزيرة» القطرية أن الاتفاق تم بين بري والحريري وكوشنير على «تأليف حكومة برئاسة النائب الحريري مع تمثيل مناسب للمعارضة فيها»، فيما بثت محطة «OTV» أن اجتماع عين التينة «توصل إلى اتفاق على تأليف حكومة وحدة وطنية برئاسة وزير أسبق وقانون انتخاب على أساس القضاء دون الاتفاق على آلية لتعديل الدستور».
كذلك نفى قطب بارز في 14 آذار لـ«الأخبار» أن يكون قد تمّ الاتفاق على نقاط معينة في اجتماع عين التينة، مشيراً إلى أنّ كلّ ما اتّفق عليه هو بمثابة عناوين عامّة، وأنّ بري لم يطلب أكثر من إقرار مثل هذه العناوين. وقال هذا القطب إن المشكلة كانت ولا تزال تدور حول آلية التعديل الدستوري المطلوب الذي يجيز انتخاب العماد سليمان.

بان قلق

وكان بري قد تلقى اتصالين هاتفيين من وزيري الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما والإسباني ميغيل أنخل موراتينوس، وعُلم أنهما أبلغا بري رغبتهما في زيارة بيروت لحضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إذا ما حصل الاتفاق المنشود بين الموالاة والمعارضة.
ونقلت «وكالة الأنباء الألمانية» (د.ب.أ) عن مصادر في السفارة الفرنسية أن كوشنير سيطلب من الرئيس ساركوزي إجراء اتصالات عاجلة بكل من الخارجية السعودية والسورية دعماً لمهمته في لبنان وللضغط على الأفرقاء قبل أن تلقى مبادرته مصير سابقاتها.
كما أعرب بان كي مون عن قلقه البالغ من التأخر الحاصل في انتخاب رئيس جديد للبنان. وقال في لقاء صحافي عقده في نيويورك مساء أمس إنه تحادث مع رئيس مجلس النواب نبيه بري واستعجله إيجاد حل للمسألة الرئاسية. لكنه سمع من الرئيس بري أن المعارضة تسعى لترتيب حل شامل لموضوع الحكومة ورئاسة الجمهورية. وقال بان إن الوضع لا يحتمل انتظار الحلول الشاملة. فهناك فراغ في موقع الرئاسة يجب ملؤه ومن بعدها تبحث الأمور الأخرى.