تصعيد سياسيّ مفاجئ للأكثريّة وبرّي يؤجّل الجلسة إلى الاثنين ومصر ترشّح بهيّة الحريري لرئاسة الحكومة
طارت جلسة اليوم. فقد أعلن الرئيس نبيه بري، ليل أمس، تأجيلها إلى الاثنين المقبل، في خطوة ترافقت مع تصعيد سياسي هو الأوّل من نوعه منذ إقرار الجميع بدعم ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان. وبخلاف الجلسات السابقة، فإنّ النواب لن يسجلوا الحضور الشكلي التقليدي في المجلس النيابي وسط شكوك في احتمال تعاظم التوتّر، ما يطيح بجلسة الاثنين المقبل أيضاً ويدفع الى تأجيل الجلسة إلى السنة المقبلة، رغم التحذيرات القائمة من جانب قانونيّين، بأنّ المجلس النيابي يصبح عندئذ عاجزاً عن تعديل الدستور بفعل انتهاء الدورة العادية.
وفيما بدا التصعيد غامض الخلفية، تحدّثت مصادر دبلوماسية عربية عن عودة التوتّرات الى العلاقات العربية ـــــ العربية، ما أدى إلى تفاهم مصري ـــــ سعودي يقضي بعدم التعاون مع دمشق في ما خصّ الإعداد لقمّة خماسية تجمع الدول الثلاث مع الأردن وفلسطين، إلا بعد تقديم دمشق تنازلات مباشرة في لبنان وفي ملف الحوار الفلسطيني. وذكرت المصادر أن الأمور العالقة كثيرة، وأن هناك احتمالاً للمزيد من التصعيد، ما يهدّد التفاهمات الخاصة بالمرحلة المقبلة عربياً.
أمّا على المستوى الداخلي، فقد علمت «الأخبار» أنّ ما جرت الإشارة إليه من تفاهمات بين بري والحريري برعاية فرنسية بشأن المرحلة المقبلة، لم يتحوّل إلى ورقة عمل ثابتة وموثّقة تحمل الضمانات الفرنسية الكافية، وهو ما أثار ريبة فريق المعارضة الذي طالب بتوضيحات تشمل قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي واظب على الإعلان بأنه لا يلتزم بأي نوع من التعهدات قبل حصول الانتخابات الرئاسية. وكان سليمان قد زار بكركي أمس وأبلغ إلى البطريرك الماروني نصر الله صفير أنه «لا يقبل بتعديل دستوري يثير الشكوك أو يدعو إلى التشكيك فيه في وقت لاحق». كذلك أبلغه بأنه «يسمع كلاماً ويقرأ بيانات عن دعم شامل لم يلحظه في الواقع».
وعلم أيضاً أن الأمور الخاصة بتوزيع الحصص الوزارية وبقانون الانتخاب وتوازن الإدارات العامة ومسائل أخرى ظلت في إطار التفاهم العام، وأن النقاش بشأن منصب رئاسة الحكومة ترافق مع نقاش في كل من القاهرة والرياض حيث يتردد أن العاصمتين نصحتا النائب الحريري بعدم تولي المهمة الآن، وأن مصر ترشح النائبة بهية الحريري لتولي المهمة.

سجال الحريري ـ بري

وبعد تأكيد الرئيس بري أنه لا مجال لاعتراف المعارضة بحكومة السنيورة، برز تصعيد من جانب الحريري الذي اتهم المعارضة بأنها «تؤجل انتخاب رئيس للجمهورية وتحاول أن تكرس الفراغ في رئاسة الجمهورية من خلال اقتراحات غير دستورية لتعطيل الانتخابات». وصرّح لقناة «المستقبل الإخبارية»: «إذا كان هناك بعض المعارضة لا يرغب في انتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية، فعليه أن لا يضع اقتراحات دستورية غير مقبولة، بل يجب أن يقول إنه غير موافق على انتخابه. نحن لا نستطيع السير بهذه الاقتراحات، ولا أظن أن العماد ميشال سليمان قد يوافق عليها». وأضاف الحريري: «نحن سننتخب رئيساً، وقوى 14 آذار لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وستبادر إلى اتخاذ خطوات من الممكن أن تسرّع في انتخاب رئيس جديد، ومن يحاول أن يعطل الانتخابات عليه أن يتحمل مسؤولية التعطيل». وكان الحريري قد عاد إلى بيروت أمس وأجرى اتصالات بالرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني عبد الله، كما استقبل سفراء عدد من الدول الغربية.
ورد النائب علي حسن خليل على الحريري، مستغرباً كلامه «الذي يحمل كثيراً من التهديد والوعيد باستخدام أساليب عرفناها ممن يتمسك بمخالفة الدستور منذ أكثر من سنة وحتى الآن ولم يقتنع بعد، ويريد أن يأخذ كل الناس إلى مهالك مخالفة الدستور». واتهم الموالاة بالسعي إلى «وضع اليد» على مجلس النواب، قائلاً: «أنتم الذين تهربون، لا من انتخاب العماد سليمان فقط بل تهربون من التوافق السياسي الذي وحده دون سواه يؤمّن الاستمرار للبنان ويسهل المهمة للرئيس المقبل الذي نريده: العماد ميشال سليمان».
وكان برّي قد تلقّى صباح أمس اتصالاً من الحريري لدى عودته من السعودية، فعاتبه خلاله على غيابه لثلاثة أيام في المملكة، وقال له: «ألم نتّفق لدى تأجيل الجلسة بضعة أيام على أن نبحث معاً في المخارج المطلوبة لتعديل الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية، وفي الوقت الذي كنت أعمل فيه على معالجة موقف العماد عون، وأقنعت (رئيس تيار المردة سليمان) فرنجية بقطع زيارته إلى تركيا، إذ بك تسافر لثلاثة أيام إلى السعودية، أهذا معقول؟ أتريدني أن أبحث في هذا الأمر مع السنيورة أو مع جعجع؟».

بيان 14 آذار

وفي وقت لاحق، أصدرت قوى 14 آذار بياناً قالت فيه «إنه لا يجوز التمادي إلى ما لا نهاية بتعطيل الحياة الدستورية والبرلمانية، ومحاولة السير في هرطقات وبدع دستورية، وبالصورة التي تجعل من المجلس النيابي ساحة لتبرير الاستمرار في خلوّ موقع الرئاسة الأولى، وليس المكان الذي يحدده الدستور لانتخاب رئيس للجمهورية. وإن الطريقة التي يجري التعامل بها مع انتخاب رئيس للجمهورية باتت تشكل إهانة موصوفة لموقع الرئاسة ولعقول اللبنانيين جميعاً».
وأضاف البيان: «إن الدور الأساسي الذي يجب أن يضطلع به مجلس النواب لا بد أن ينحصر في ملء الفراغ في رئاسة الجمهورية ومن ضمن القواعد التي نص عليها الدستور والتي لا يصح خرقها أو تجاوزها أو الالتفاف عليها لأي مبرر كان. وإن أبواب المجلس النيابي يجب أن تكون مشرعة لهذا الهدف الدستوري، لا لمحاولات تحويل الأنظار إلى أزمات مزعومة في أماكن أخرى، أو لمحاولة فرض خرق الدستور شرطاً لتطبيق أحد أهمّ بنوده، القاضي بانتخاب الرئيس ومنع حدوث الفراغ».
وختم البيان بإعلان نواب 14 آذار «أن الجلسة المقرر عقدها (اليوم) الثلاثاء يجب أن تكون جلسة مخصصة لتعديل الدستور لانتخاب رئيس للبلاد. وفي غياب ذلك، فإن نواب الأكثرية النيابية لن يتوجهوا إلى المجلس، تعبيراً عن رفضهم لأي خرق دستوري أو ابتزاز سياسي، ويؤكدون في الوقت نفسه وجوب الدعوة فوراً إلى جلسة عاجلة تخصص لتعديل الدستور في ضوء المبادرة التي تقدمت بها قوى 14 آذار بترشيح العماد ميشال سليمان للرئاسة».