strong>مأتم وطني عام للحاج وهدوان... وفرنسا تعتبر جلسة الاثنين الفرصة الأخيرة وتفاوض دمشق
شيّع لبنان أمس أحد كبار ضباطه في مأتم شارك فيه الآلاف من اللبنانيين من مناطق عدة، في خطوة بدا أنها أكبر من تعاطف وعبّر فيها الجمهور عن تعاظم الاحتجاج على الفوضى الأمنية المتنقلة بين المناطق والتي تأتي على العديد من الشخصيات النيابية والإعلامية العسكرية.
وبرغم أن الكلام السياسي في المناسبة اقتصر على دعوة قيادة الجيش القوى السياسية الى التوافق سريعاً، فإن الطقس الممطر والعاصف رافقته عواصف سياسية تنذر بما هو أخطر إذا لم يتوافر الحل خلال ما بقي قبل جلسة الاثنين.

استحقاق الاثنين

ووسط عجز القوى المحلية عن إنتاج مبادرة خاصة، وعودة السجال بين القوى كافة، وعدم تلقي العماد ميشال عون أي اتصال من فريق الاكثرية، فإن الموقف اللافت جاء من باريس، حيث أطلق الرئيس نيكولا ساركوزي موقفاً أشبه بالإنذار متحدثاً عن فرصة أخيرة أمام اللبنانيين لانتخاب رئيس الاثنين المقبل. وتحدثت مصادر دبلوماسية عن مشاورات تجري بين فرنسا وسوريا من جهة والسعودية من جهة ثانية من أجل التوصل الى تفاهم يتصل بالملف اللبناني، وهو الأمر الذي لا يزال متعذراً حتى الآن.
وقالت مصادر فريق 14 آذار إنه لا يريد الدخول في مواجهة، ولكنه يعتبر أن تفويض قوى المعارضة أمر الحوار الى العماد ميشال عون يمثل دعوة الى عدم التوافق، واتهمت المصادر عون بأنه لا يريد تسهيل الحل دون أن تشرح ذلك معتبرة أن موقفه من الرئاسة هو الذي يعرقل الحل، فيما أكد حزب الله بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أن الحل ببنوده مقترح من جانب المعارضة وأن اقتراح السلة موجود بيد العماد عون الذي لديه القدرة على إنجاز اتفاق. وتحدث قاسم عن ضمانات عدة بينها إعلان اتفاق مكتوب يذاع أمام الجمهور وبمشاركة رعاة، مقترحاً اسم فرنسا.
وتحدث مصدر قيادي في المعارضة عن حملة منظمة بدأتها الدول الراعية لفريق 14 آذار، وأن الموقف السعودي يقع في هذا الاتجاه، وأنه لم يكن هناك من تفسير للتصعيد الأخير للنائب سعد الحريري إلا سماعه ما يشجّعه على هذه الخطوة في زيارته الاخيرة إلى الرياض، فيما يبدو أن الجانب الاميركي سوف يسارع بدوره الى تشجيع الفريق الحليف له على التصلب وعدم التنازل، وسوف يأتي الموقف على لسان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش الذي يصل الى بيروت اليوم.
إلا أن الجميع ينتظر الموقف الفرنسي العملي، ولم تستبعد مصادر مطلعة على موقف الرئيس نبيه بري أن يصل إلى بيروت أيضاً موفد فرنسي قد يكون الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيّان، وقالت المصادر إن المبادرة الفرنسية لم تتوقف منذ مغادرة وزير الخارجية برنار كوشنير بيروت في زيارته الأخيرة، إذ ظل الفرنسيون على خط الاتصال عبر الأقنية الدبلوماسية وغيرها، ويواظب القائم بالأعمال الفرنسي أندريه باران على زيارات معلنة وغير معلنة لأركان في الموالاة والمعارضة، ووضع باران في تفاصيل موقف المعارضة من الحل ومطالبها، وهو سمع موقفاً مقابلاً من النائب الحريري وقيادات في فريق 14 آذار.
وكان الرئيس الفرنسي قد قال امس إن مجلس النواب اللبناني يجب أن ينتخب رئيساً جديداً الاثنين. وأضاف: «الاثنين هو يوم الفرصة الاخيرة. تناشد فرنسا كل الاطراف داخلياً وخارجياً العمل كي يستطيع لبنان أن يكون له رئيس للوحدة والاتفاق».
وأكد ساركوزي أن فرنسا «التزمت أكثر من أي بلد آخر بمساعدة لبنان على تخطّي صعوباته لكن الاثنين هو الفرصة الاخيرة».
وتحدث وزير الاتصالات مروان حمادة من باريس عن «صدمة كبيرة جداً في أوروبا» إزاء جريمة اغتيال العميد الحاج، وقال بعد لقائه وزير الخارجية برنار كوشنير: «شعرنا الى جانب الصدمة بالتصميم الفرنسي على مزيد من الضغوط التي ستمارسها على المرجع الخارجي الذي تعتبره معطلاً للاستحقاق الرئاسي، كما لمسنا تصميماً فرنسياً على الخروج عن السكوت وربما فضح كل عملية التعطيل». وأضاف: «أظن أن موعد الانتخاب يوم الاثنين هو موعد مفصلي بمعنى أنه إذا تبيّن، وهنا أتحدث عن الشعور الأوروبي وتحديداً الفرنسي، أن التعطيل المتعمد مستمر لمنع جلسة الاثنين بحجج واهية، فسيكون هناك موقف علني من هذه العملية، ربما فرنسي وأيضاً عالمي».

المأتم والتحقيقات

وكان لبنان قد شيّع أمس اللواء الشهيد الحاج ومرافقه هدوان. ومنذ الصباح تجمع المئات من العسكريين والأهالي في بعبدا بعد نقل جثمان الحاج من المستشفى العسكري. وساروا بين ساحة الجريمة ومنزله قبل نقله الى حريصا حيث أقيم احتفال تأبيني له وسط حضور سياسي جمع الفريقين الموالي والمعارض وحشداً كبيراً من العسكريين والسياسيين والمواطنين، وألقيت كلمات للبطريرك الماروني نصر الله صفير خلت من الإشارات السياسية المباشرة، وكلمة لرئيس أركان الجيش اللواء شفيق المصري الذي دعا باسم دماء الشهيدين القوى السياسية الى تسوية تاريخية وشجاعة دون الشروط المسبقة من أجل التوافق لمصلحة لبنان.
ومن ثم نقل جثمان هدوان الى بلدته حزين حيث ووري في الثرى، فيما نقل جثمان الحاج الى بلدته رميش، بعدما توقف أكثر من أربع ساعات في محطات وداعية شعبية في صيدا وصور وبنت جبيل وسط مشاركة لافتة لحشود المواطنين من انتماءات سياسية مختلفة، وصولاً الى رميش حيث أقيمت الصلاة عن روحه في كنيسة البلدة قبل أن ينقل الى مدافن العائلة.
على صعيد التحقيقات، أفادت مصادر مطلعة أن مديرية المخابرات في الجيش اللبناني تمكّنت من معرفة الخيوط المهمة بشأن طريقة تنفيذ الجريمة وإعداد السيارة التي فجرت، وأنها جمعت من القرائن والأدلة ما يكفيها لتحديد إطار العمل المباشر، وأنها تنتظر بعض المعلومات الإضافية. ودعا مصدر أمني رفيع المستوى الى عدم المسارعة في الاستنتاجات وأن هناك تعقيدات لكنّ هناك تقدماً جدياً في التحقيقات.