غيان اقترح على بري حلّاً على مرحليتن وجنبلاط طلب منه تأجيل الجلسة باسم الأكثرية
بعد المواقف الأميركية عن الأزمة اللبنانية، التي تُوِّجت بكلام الرئيس جورج بوش السلبي عن دور سوريا، ثم الكلام الأقل تصلباً الصادر عن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وجدت قوى 14 آذار نفسها في وضع غير جاهز لإنجاز اتفاق مع المعارضة. فبادر النائب سعد الحريري الى الاتصال بالرئيس نبيه بري متمنّياً عليه تأجيل جلسة اليوم ريثما تصبح الظروف أكثر ملاءمة، فشاور رئيس المجلس الحلفاء وأعلن تأجيل الجلسة الى التاسع والعشرين من الشهر الجاري، مراهناً، كما فريق 14 آذار، على نتائج أفضل للاتصالات الإقليمية والدولية الجارية.
وعلمت «الأخبار» أن فرنسا، التي واصلت اتصالاتها وكثفتها بالاطراف المعنية في لبنان والمنطقة، قدمت عرضاً إلى كل من العماد ميشال عون والنائب سعد الحريري يقضي باستضافتهما في العاصمة الفرنسية في أي وقت وإدارة حوار بينهما باعتبارهما مفوّضين من الموالاة والمعارضة إدارة الحوار بقصد التوصل إلى تفاهم سياسي. وقد أبلغ عون الجانب الفرنسي موافقته فيما قالت مصادر فرنسية معنية إن الحريري لم يكن قد أجاب بعد على العرض، وإن ظهرت إشارات سلبية من أوساط قريبة منه.
وعلم أن النائب وليد جنبلاط اتصل برئيس المجلس وشاوره في الاوضاع القائمة وفهم منه أنه لا إمكان لعقد جلسة انتخاب اليوم قبل التوصل الى اتفاق سياسي. ثم بادر النائب الحريري الى الاتصال ببري مرتين سائلاً إياه عن حجم التأجيل المرتقب، فردّ بري بأنّه سوف يحدّد موعداً بين عطلتي الميلاد ورأس السنة، فطلب الحريري توضيحاً عما إذا كان التأجيل من جديد يؤخّر الجلسة الى السنة المقبلة وإذا كان في ذلك ما يمنع انتخاب العماد ميشال سليمان باعتباره يحتاج الى تعديل للدستور. فردّ بري بأنّه تفاهم مع النائب بهيج طبارة على آليّة دستورية تتيح انتخاب سليمان في أي وقت من العام. وقال له: لا تخَفْ على اسم الرئيس، قائد الجيش بات رئيساً مع وقف التنفيذ، ونحن في حاجة الآن الى اتفاق على الحكومة. وعندها طلب الحريري من برّي إعلان التأجيل لأن نواب 14 آذار لن ينزلوا الى المجلس اليوم. كذلك أكد جنبلاط والحريري للرئيس بري أنه لا عودة الى خيار النصف +1 مهما حصل.
وفيما سارعت قوى الأكثرية الى استثمار كلام الرئيس الاميركي بالدعوة الى انتخابات سريعة وبالتهويل بالعودة الى خيار النصف +1، أبلغت المعارضة الجهات الخارجية وقوى داخلية أن العودة الى هذه المغامرة تعني إطاحة ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان، وأن الرد على خطوة أحادية من جانب فريق الأكثرية سيكون متجاوزاً كل الخطوط الحمراء، وأن على فريق 14 آذار تحمّل مسؤولية ما سيحصل.
لكن أوساط المعارضة قالت إنها لم تكوّن انطباعاً حاسماً عن تعطل المبادرة الفرنسية، وذكرت أن الاتصالات التي جرت خلال الساعات الـ24 الماضية بين بيروت ودمشق وباريس توحي بأنّ الضغط الأميركي لم يلامس حد تعطيل المحاولة الفرنسية، بدليل أن المدير العام للرئاسة كلود غيان عاود الاتصال بوزير الخارجية السورية وليد المعلم، كما اتصل بالرئيس بري امس، فيما كان القائم بالاعمال في بيروت أندرية باران يزور العماد ميشال عون عارضاً أفكاراً قال إنها جديدة وإنها تفيد في كسر الجمود القائم.
وعلمت «الأخبار» أن غيان عرض على المعلم وبري تجزئة الحل الى مرحلتين تقضي الأولى بانتخاب سريع للعماد سليمان، تليها مرحلة ثانية سريعة تقضي بوضع تفاهمات على المرحلة المقبلة، وأن باريس مستعدة لضمان التوصل الى حلول ترضي المعارضة. واقترح باران على العماد عون أن يعطيه ورقته المستورة وأن يتولى هو مفاوضة فريق 14 آذار للتوصل الى حل وسط، ولكن على أساس الفكرة نفسها التي تقول بإجراء الانتخابات الرئاسية أولاً ومن ثم ترتيب التفاهم السياسي.
إلا أن الاجوبة، كما علمت «الأخبار» من مصادر بري وعون، جاءت على الشكل الآتي:
أولاً: أبلغ بري مساعد الرئيس الفرنسي أن التفاهم السياسي المسبّق إلزاميّ، وأنه ليس لدى الفريق الآخر ما يوحي بالثقة، وأنه لا مجال لأي تسوية لا تحقق الثلث الضامن في تركيبة الحكومة الجديدة.
ثانياً: إن الانتخابات الرئاسية هي تحصيل حاصل لو تم التفاهم السياسي، والحوار لتحقيق هذا التفاهم يجب أن يكون مع العماد عون. ونصح بري المسؤول الفرنسي بالضغط على فريق الأكثرية للإسراع في التوجه الى الرابية.
ثالثاً: أبلغ عون الدبلوماسي الفرنسي ترحيب المعارضة بالدور الفرنسي ورغبتها في استمراره، ولكن ليس كوسيط يدير المفاوضات المفترض إنجازها مباشرة مع الفريق الآخر. وأوضح عون أن المعارضة تريد حواراً وتفاهماً مباشرين مع قيادة فريق السلطة، وهي ترحّب بالوجود الفرنسي كشاهد لا كمحاور أو وسيط، والمعارضة ترغب في أن تؤدّي فرنسا دور الضامن لأي اتفاق.
رابعاً: أكد عون أن ذهاب الفريق الآخر الى انتخابات بالنصف +1 يعني أخذ البلاد الى المجهول وأن المسؤولية ستقع على عاتق الدول الداعمة لفريق الاكثرية أكثر مما تقع على عاتق القوى الداخلية التي ستدفع ثمن مثل هذه المغامرة.
وذكرت المصادر أن ثمة مشكلة كبيرة مع فريق السلطة الذي يرفض التحاور مع عون، كما يرفض أن تحصل المعارضة على الثلث الضامن في الحكومة الجديدة، ما يعني أن الاتفاق السياسي رهن مبادرة خارجية، وأن التواصل الفرنسي ـــــ السوري قائم والكلّ ينتظر نتائجه.

الموقف الفرنسي

وذكرت مصادر فرنسية لـ«الأخبار» أنه يجب عدم التعويل كثيراً على كلام الرئيس الاميركي، وأن الحوار مع سوريا لا يزال مفتوحاً بقوة، وأن الرئيس ساركوزي تحدث هاتفياً مع الرئيس السوري بشار الأسد خمس مرات حتى الآن، والتواصل شبه يومي بين غيان والمعلم. ولفتت المصادر الى أن الكلام الاميركي يستهدف الرد على المواقف الصادرة عن سوريا بشأن عدم التوصل الى تفاهم حتى الآن، وقالت إن مساعد وزيرة الخارجية الاميركية ديفيد ولش لم يقل جديداً في زيارتيه ولم يشر الى موضوع النصف +1. ولكنه كان مهتماً بتعزيز وضع الفريق المسيحي في 14 آذار والقول بأن الولايات المتحدة ليست متورطة في تسوية مع سوريا على حساب لبنان، وأنها تدعم التحرك الفرنسي ولكن ليس على حساب لبنان.
ولفتت المصادر الى لقاءات فرنسية مع قادة 14 آذار تناولت البحث في أمور كثيرة، وأن الفريق اللبناني أبدى ترحيبه بموقف الرئيس الاميركي لكنه وجده متأخراً شهرين على الأقل عن موعده المفترض. وأكدت المصادر الفرنسية أنه ليست هناك أفكار حول انتخاب رئيس بالنصف +1 لأن مثل هذا الخيار يطيح المرشح التوافقي سليمان. لكن المصادر الفرنسية تحدثت عن مشكلة مستمرة مع العماد عون الذي يرفض فريق السلطة الإقرار به محاوراً، فيما يرى عون أن استمرار تجاوزه يعني إضاعةً للوقت لأنه لا مجال لأي تفاهم سياسي دون العودة إليه وأنه لا مجال لتفاهمات شفهية وأن ما تريده المعارضة هو اتفاق مكتوب وموقع من قبل جميع المعنيين.
وعن ورقة الوزير برنار كوشنير، قالت المصادر الفرنسية إنها موجودة فعلاً، ولكن الوزير رفض توقيعها بعد عرضها في محادثات يومي الخامس والسادس من هذا الشهر، وهو أمر يعرفه الجميع.
من جانبه، قال وزير الاتصالات مروان حمادة لـ«الأخبار» إن قوى السلطة «تدرس الخيارات التي ستعتمدها في ضوء تأجيل الجلسة، وهي ما تزال على موقفها بوجوب انتخاب الرئيس أولاً». وأقر حمادة بوجود ورقة أطلق عليها اسم «ورقة كوشنير». وقال: «نحن لم نخرج عن ورقة كوشنير، لكنّ هذه الورقة هي أقرب إلى محضر لا يتضمّن نسباً ولا أرقاماً، لأنّ هذه الأمور تُبحث مع رئيس الجمهورية بعد انتخابه». وعن النصف +1 قال حمادة: «نحن واعون أنّه لا عودة إلى أيّ خيار ينقلب على العماد سليمان، وهو مرشّحنا».