فداء عيتاني
كيف تقرّرت العمليّة ومتى جُهِّز أبو عدس ومن تولّى المراقبة وأين فُخِّخت الميتسوبيشي ومَن هو الانتحاري؟

تدخل قوات من «الفهود» التابعة لقوى الامن الداخلي إلى سجن رومية، وتتعرض بالضرب لموقوفين في السجن متّهمين بالانتماء إلى تنظيم «فتح الإسلام» وإلى شبكة الدعم اللوجستي للمقاومة العراقية، المعروفة باسم شبكة حسن نبعة، أو شبكة الـ13. ورغم ترداد معلومات صحافية عن اكتشاف وإحباط محاولة فرار كان يجري الإعداد لها، وهو ما نفاه وزير الداخلية حسن السبع أمس، فإنّ ما نشرته الزميلة «السفير» في عددها الصادر أمس الاثنين لناحية اكتشاف تواطؤ أحد السجّانين مع الإسلاميّين، واكتشاف اتّصالات ما بين داخل المعتقل وخارجه، هو وحده ما يتّسم بالدقّة، دون غيره من معلومات.



إلا أنّ ما تعرّض له المعتقلون من ضرب وأعمال بحث وتفتيش وإهانات وصلت إلى حدّ تمزيق بعض السجّانين لمصاحف قرآنية وشتم معتقدات المعتقلين الدينية، أعاد الأمور إلى نقطة حرجة في علاقة كانت تتمّ بالواسطة ما بين المعتقلين والجهات السياسية الفاعلة في البلاد، كما أعاد طرح السؤال عن هوية مجموعة الـ13، وما لها وما عليها.
المجموعة التي جرى التحقيق معها على دفعات تضمّ أشخاصاً من جنسيّات عدّة: السعودية ولبنان وفلسطين وسوريا، وقد جرى التحقيق في مراكز تابعة لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وختم محاضر التحقيق رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. كذلك حققت معها أجهزة أمن غير لبنانية، وبصفات متنوّعة، من بينها سعودية وأميركية، دون أن يعلم أفراد المجموعة مَن الذي يحقّق معهم. وعُرض الأمر بتسرّع أمام لجنة التحقيق الدولية. وفي النهاية أسقط من الادّعاء على الشبكة كل ما له علاقة بعملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتحوّل الادّعاء العام (الذي نشرت «الأخبار» ملخّصاً عنه في السادس من نيسان الماضي) إلى نص يوحي باعتقال شبكة دعم لوجستي للمقاومة العراقية تعمل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية، مع اتهامها بأنها تحرّض على طوائف أخرى (الشيعة).
وبعد أكثر من عام على اعتقال أفراد المجموعة التي قُبض على أوّل عناصرها في أيلول من عام 2005، في إطار التحرّي عن مصير أحمد أبو عدس، وفي آذار من عام 2006، وبخلاف القوانين لناحية التوقيفات دون توجيه اتهام، توصّلت السلطات الأمنية اللبنانية إلى إحالة المدّعى عليهم أمام القضاء، حيث قدّم قاضي التحقيق الأول لدى المحكمة العسكرية رشيد مزهر حينها الادّعاء على 32 شخصاً ينتمون الى تنظيم القاعدة، واتّهمهم بالإقدام «على تأليف عصابة تمهيداً للقيام بأعمال إرهابية وتزوير أوراق رسمية ونقل أسلحة».
تبيّن، وفقاً للقرار الاتهامي، «أنّ المدّعى عليهم، على رغم اختلاف جنسياتهم، جمعتهم عقيدة واحدة وأفكار هادفة الى الجهاد لتحرير العراق من الاحتلال الأميركي. وتحقيقاً لرغبتهم هذه، بايعوا أمراء تنظيم القاعدة. وقد أقدم هؤلاء الأمراء لاحقاً على تعديل وتحويل مهمّتهم وتوجيهها إلى الأنظمة العربية لبعض الدول التي كفّروها في العالم العربي والإسلامي وبعض الطوائف اللبنانية».
وجاء في القرار أنهم «اتخذوا من سوريا مقراً لهم وتوزعت الأدوار بين أمير لها (المجموعة) تمت مبايعته والتزام أوامره وبين مموّل بالمال والسلاح ومزوّر يؤمن المستندات اللازمة المزيفة، وهويات من مختلف الجنسيات لضمان تنقلات الأفراد، وبين آخرين يقومون بتدريبات عسكرية وأمنية بعد الخبرة التي اكتسبوها من اشتراكهم في معارك في أفغانستان والتوصيات العائدة إلى كيفية التعامل مع المحققين وتضليلهم في حالات التوقيف والتزام السرية التامة، فيما انحصر نشاط بعض المدعى عليهم في لبنان بتأمين البريد الإلكتروني واستئجار الشقق لتخزين الأسلحة والعتاد وتخبئة القادمين من سوريا وتجنيد الشباب لتنظيم القاعدة».
ويضيف الادعاء «وتبيّن أن ارتباط بعض المدعى عليهم بعلاقة صداقة مع المدعو أحمد أبو عدس الذي اختفى قبل شهر من ظهوره في تسجيل على شاشات التلفزة متبنيّاً اغتيال دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري أدّى إلى كشف هذه المجموعة الإرهابية من جانب الأجهزة الأمنية».
ومع تراكم الأحداث ومثول المعتقلين لأوّل مرة أمام المحكمة، ظهرت حقيقة التحقيقات التي كان قد أخضع لها هؤلاء الموقوفون، الذين تعرضوا أكثر من مرة للضرب والاعتداء الجسدي، بحسب ما يفيدون، داخل السجون التي مكثوا فيها، وبانت الاعترافات الأصلية لهم، وهي على خلاف التهم الموجهة إليهم في الادعاء وأمام المحكمة.

اغتيال الحريري

ما سوف تنشره «الأخبار» في حلقات يعرض لسير التحقيقات الأولية التي جرت مع الموقوفين والتي تضمّنت معلومات قدمت على أنها إجابات حول من نفّذ عملية اغتيال رفيق الحريري؟ وكيف تحرّكت المجموعة؟ من هي أصلاً مجموعة الـ13؟ من أين أتت ومن هم أعضاؤها؟ كيف تنكّروا وكيف تحرّكوا؟ ما علاقتهم بالمقاومة العراقية؟ وماذا يفعلون في لبنان؟ ما هي الدول التي تشملها حركتهم؟ من يطاردهم وفي أيّ دول؟ ما علاقتهم بالنظام السوري؟ ما هي الأجهزة والشرائح الإلكترونية المتطوّرة التي يصمّمونها وينقلونها؟ وما سرّ المعلومات المشفّرة على أجهزة كومبيوتراتهم الشخصية؟ وأين كان تُنقل ولماذا تستخدم؟ من هم أفراد مجموعات الرصد والاستطلاع لعملية اغتيال رفيق الحريري؟ كيف وأين صُوّر فيلم أحمد أبو عدس؟ ما هي قصّة الساعات الأخيرة لأحمد أبو عدس؟ وهل هو من نفّذ العملية ضد الحريري؟ كيف رصدت المجموعة الإجراءات الأمنية في محيط مكان تنفيذ العملية وكيف أحبطت فاعليتها؟ لماذا لم تظهر الاختبارات وجود الحمض النووي لأحمد ابو عدس في محيط مكان التتنفيذ؟ ما علاقة القاعدة في بلاد الحرمين بعملية اغتيال رفيق الحريري؟ ومن هو المنفّذ السعودي الذي يجري التحدث عنه والمذكور في تقرير المحقق الدولي سيرج براميرتس؟ ومن هو أبو هاجر السعودي ولماذا يرسل المجاهدين إلى لبنان؟ هل من علاقة لمجموعات أصولية جهادية في عين الحلوة بكل ما جرى؟ وكيف كانت تتم الصلات بين المجموعات الجهادية؟ كيف كانت المجموعات تنسق اتصالاتها البشرية والهاتفية والإلكترونية؟
ثم يلقي التحقيق الضوء أكثر فأكثر على ما حصل، ويجيب عن أسئلة حول تراجع المعتقلين عن إفادات أدلوا بها، وعن علاقة أبو مصعب الزرقاوي بهم، وعن علاقة حسن نبعة (أو الشيخ راشد) بزياد رمضان الموقوف لدى السلطات السورية وخالد طه الفار والملاحق من قبل السلطات القضائية في لبنان ودول العالم بناءً على مذكرة ملاحقة دولية صادرة عن دول عدة بطلب من لجنة التحقيق الدولية وبطلب من السلطات القضائية اللبنانية، ولماذا يعتبر المحققون أن المستوى التدريبي والامني للمجموعة أعلى مما هو موجود في لبنان لدى الاجهزة الامنية؟
والأهمّ أنّ محاضر التحقيق التي سوف تنشرها «الأخبار» تتضمن رواية هذه المجموعة حول كيف ومتى وأين ولماذا تم التخطيط والتحضير والتنفيذ لاغتيال الحريري. ولكن ما سيبقى يطرح هو مدى دقة التحقيقات، وعدم عرضها بالكامل أمام لجنة التحقيق الدولية، وإذا كانت هذه المجموعة هي من نفّذ اغتيال رفيق الحريري، فلماذا لم تحاكم على هذا الأساس؟ وإذا كانت مجرّد شبكة دعم للمقاومة العراقية تعمل انطلاقاً من لبنان، فلماذا تقدمت بهذه الاعترافات وحمّلت نفسها مسؤولية الاغتيال؟ ولماذا تأخير محاكمة أعضائها لأكثر من عام ونصف؟