حتى أمس، لم يكن في مقدور أيّ من الأقطاب الحديث عن جلسة مؤكدة يوم 23 من الشهر الجاري، في مقابل تمنيات بتأجيلها أسبوعين أو ثلاثة إفساحاً في المجال أمام المبادرة البطريركية التي تواكب ما بدأه الرئيس نبيه بري قبل مدة، فيما ينشغل فريق 14 آذار بمتابعة نتائج الاتصالات الخارجية التي بدأها النائب سعد الحريري ويتابعها النائب وليد جنبلاط وآخرون. وقالت مصادر مطلعة على موقف البطريرك نصر الله صفير لـ«الأخبار» إنه لم يرفض اقتراحاً وصل باسم العماد ميشال عون ونقله مسؤول العللاقات السياسية في «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، ويقضي بأن لا تكون لجنة الحوار مؤلفة من مندوبين من الصف الثاني أو الثالث، بل من الأقطاب، وأن تضم الى جانب عون كلاً من الرئيس أمين الجميل والوزير السابق سليمان فرنجية وقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لأنها بهذه التركيبة تستطيع أن تدير نقاشاً ويمكنها أن تحدّد ما إذا كان سينتهي إلى نتائج ملموسة أم لا، وفي إمكانها أن تستعين بمساعدين يمكن تسميتهم «لجنة الحوار السري».
وكشفت المصادر أن صفير أبدى استعداده لأن يحضر والمطارنة الاجتماع الأول بين الاقطاب. وأشارت إلى «أن المشكلة التي تعوق نجاح المبادرة البطريركية هي أن الشكل في تأمين اجتماع بين هؤلاء الأقطاب الأربعة يتساوى مع الجوهر أو المضمون، بمعنى آخر إن العقدة التي تحول دون اجتماع هؤلاء في لقاء واحد توازي عقدة توصلهم إلى تفاهم».
من جانبه تمنى بري أن توفق الكنيسة المارونية من خلال مبادرتها ومساعيها في الوصول إلى حل توافقي للاستحقاق الرئاسي «لأنه يوفّر علينا الوقت والجهد والإخراج، كما من شأنه أن يحرر الحريري من ملكية ذات اليمين وذات اليسار»، قاصداً بذلك جنبلاط وجعجع.
وأشاد بري بـ«الجو الوفاقي» الذي خيّم على جلسة انتخاب رؤساء اللجان وأعضائها والمقررين التي انعقدت أمس، آملاً «أن ينسحب هذا المناخ على الجلسات المقبلة سواء كانت انتخابية أو تشريعية». وقال أمام زواره إنه لا يزال على اقتناع بأن فرص الحل والتوافق «ما تزال متوافرة، وإذا خلصت النيات والإرادات يمكن الوصول إلى حل قبل جلسة انتخابات الرئاسة المقررة الثلاثاء المقبل». وأضاف أنه ما يزال ينتظر استئناف لقاءاته الحوارية مع الحريري بعد عودته إلى بيروت.

الترويكا الأوروبية

أما في ما خص الزيارة المقررة بعد غد الجمعة لوزراء خارجية فرنسا وإيطاليا وإسبانيا فقد ذكرت تقارير دبلوماسية أن الوفد «ينطلق في مسعاه من اقتناع بأن الفرصة لا تزال مؤاتية للتوافق، وأن أيّاً من الطرفين المتخاصمين لا يريد الذهاب بعيداً في خياراته التصعيدية، مراهناً على الأجواء المشجعة التي أشاعتها اللقاءات الحوارية بين بري والحريري، وانفتاح العماد عون على الحلول التوافقية ولو كان ذلك على حساب ترشيحه للرئاسة، إضافةً إلى المحاولات الجادة التي يقوم بها البطريرك الماروني لتبريد الساحة المسيحية وضبط إيقاعها».
وأشارت هذه التقارير الى أن الفرنسيين يعتقدون بأن أطر الحل باتت معروفة، وأنه لا يكفي الوصول إلى تفاهم على رئيس الجمهورية بل ينبغي أن يترافق انتخابه مع قيام حكومة وحدة وطنية تطمئن المعارضة، وتكون بمثابة مؤتمر حوار دائم بين مكوّنات المجتمع اللبناني لحل كل القضايا الخلافية.

تبادل الأسرى

من جهة أخرى، تواصلت امس ردود الفعل الخاصة بعملية تبادل الأسرى الجزئية التي تمت أول من أمس بين إسرائيل و«حزب الله»، وبينما استمر صمت فريق 14 آذار التام، كان الرئيس إميل لحود الوحيد من أركان الدولة الذي أشاد بما حصل واصفاً إياه بـ«الإنجاز الذي حققته المقاومة التي تحترم نفسها ولا تترك أسراها في السجون».
وكان البارز إعلان الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في رسالة مباشرة بثّها تلفزيون «المنار» مساء امس أن المفاوضات بدأها منذ عدة أشهر وسيط دولي انتدبه الأمين العام السابق للأمم المتحدة وأكمل مع الأمين العام الجديد بان كي مون. وقال: «بداية المفاوضات كانت صعبة. وقبل مدة أبلغنا الوسيط الدولي أنه باتت لدينا جثة لمستوطن من أصل إثيوبي، وأثبتنا الأمر عبر بطاقته. ونحن جاهزون لإعادتها ولا نريد احتجازها». وأضاف: «المفاوضات استمرت، والوسيط الدولي اقترح مبادرة حسن نية تجاه الإسرائيلي، فقابلناه بالإيجاب. كان المطلوب جثة المستوطن الإسرائيلي ومعلومات عن قضية محددة لا أريد التحدث عنها. أعطيناهم معطيات تساعد وتمهّد الطريق للوصول إلى نتائج معقولة لا معطيات حاسمة. وقبلنا ما قدّموه، وهم اعتبروا أن ما قدمناه مقبول».
ووصف هذه العملية بأنها «محدودة وجزئية» و«لكن لها قيمة إنسانية وتشكل دفعاً للعملية الأوسع وهي الأهم عندنا أو عند العدو أو الوسيط الدولي»، مؤكداً «أن هناك مفاوضات حثيثة، وليست موسمية أو متقطعة، وبعد أيام ستعاود المفاوضات بشكل حثيث وجيد. وقد حصل تقدم جيد في العملية الكبيرة والمعطيات تعطينا أملاً». ولفت إلى أنها المرة الأولى التي يتحدث فيها عن «أمل وعن تقدم إيجابي وتفاؤل وفرصة لإنجاز كبير وعملية مهمة»، مشيراً إلى أنه لا يتحدث عن الأسرى اللبنانيين فقط بل عن غيرهم أيضاً.
وفي نيويورك رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بـ«المبادرة الإنسانية» التي جرت بين «حزب الله» وإسرائيل «بوساطة من منسّق دولي». وأعرب عن أمله أن تؤدي هذه الخطوة إلى إيجاد آلية من الجانبين «من أجل الالتزام بالمطالب الإنسانية المركزية التي نص عليها قرار مجلس الأمن 1701». ودعا طرفي النزاع إلى المضي قدماً، وبشكل حاسم، «للإفراج عن الجنديين الأسيرين المخطوفين بدون أي مزيد من التأخير». وفي تعبير يدل على الكثير من التحيّز للجانب الإسرائيلي دعا بان «لإيجاد حلول ضرورية للمدنيين اللبنانيين الذين لا يزالون رهن الاحتجاز الإسرائيلي».
من جانبه أعلن رئيس حكومة العدو إيهود أولمرت أن ما حصل يمثل «مرحلة معيّنة» ضمن عملية تبادل أوسع، فيما أعلنت ألمانيا مضيّها قدماً في تنفيذ قرارها إطلاق سجينين إيراني ولبناني لديها برغم اعتراضات إسرائيلية أرادت ربط قضية السجينين بملف الطيار المفقود رون أراد. وقال أولمرت: «أمس عبرنا مرحلة معيّنة في العملية، لكن لأسفي فإن الطريق لإعادة إيهود غولدفاسر وإلداد ريغيف في الشمال وجلعاد شاليط لا تزال طويلة».